إرادة كريستيانو رونالدو في الأربعين تتحدى قوانين الزمن
بقلم: د. حسام بدراوي
في نهائي مثير لبطولة الأمم الأوروبية بين البرتغال وإسبانيا، وفي لحظة كانت تبدو وكأنها تُكتب للتاريخ، سجّل كريستيانو رونالدو هدف التعادل لمنتخب بلاده… وهو في الأربعين من عمره.��ليس الهدف وحده هو ما صنع الحدث، بل ما جسّده من معانٍ تتجاوز حدود المستطيل الأخضر: الإرادة، العزيمة، الاحتراف الحقيقي، والقدرة على الوقوف في وجه الزمن، في عالم لا يرحم الكبار، ولا يمنح فرصًا ثانية بسهولة.��الظاهرة التي لا تنتهي�منذ أن ظهر كريستيانو رونالدو على الساحة العالمية في بدايات الألفية، وهو يكتب سيرة ذاتية استثنائية. عدد الأهداف، البطولات، الجوائز الفردية… كل ذلك محفوظ في سجلات التاريخ، لكنه لم يكن كافيًا. أراد رونالدو أن يضيف فصلًا جديدًا، فصل “الصمود والإصرار”، وأن يثبت أن العمر ليس إلا رقمًا إذا كانت الروح مشتعلة، والجسد مطيع، والعقل صافي الهدف.��في زمن يحال فيه اللاعبون إلى الاعتزال في منتصف الثلاثينات، يظهر رونالدو في نهائي قاري، قائدًا، مقاتلًا، يسجل هدفًا حاسمًا بقدمه اليمنى بعد تمركز ذكي، ورؤية حادة للملعب، واتخاذه موقعًا مثاليًا بفضل خبرته. أما طريقة تنفيذ الهدف، فقد كشفت عن لياقة بدنية استثنائية، يمكن رؤيتها في حركة جسده وانقضاضه السريع على الكرة.��الاحتراف كمنهج حياة�الذي لا يدركه كثيرون هو أن بقاء رونالدو على هذه القمة لم يكن بالموهبة وحدها. بل كان ثمرة منهج صارم في الاحتراف: نظام غذائي دقيق، تدريب يومي خارج الجدول الرسمي، انضباط حديدي في النوم، ورفض قاطع لأي تساهل في نمط الحياة.��لقد حوّل جسده إلى آلة، لكنها آلة يقودها عقل واعٍ وشغوف، لا يرضى بالرضا، ولا يكتفي بالأمجاد القديمة.���رونالدو لا يلهم اللاعبين فقط، بل يلهم كل إنسان يظن أن الوقت قد فات. يقول للجميع: تستطيع أن تبدأ، أن تعود، أن تقف من جديد، ما دمت تؤمن بنفسك وتعمل لها.��في عالم باتت فيه السرعة تُستهلك وتُستهلك معها الأرواح، يأتي هذا الرجل ليُبطئ الزمن للحظة، ويقول: “أنا ما زلت هنا”. ليس لأني أنتمي للماضي، بل لأنني أصنع الحاضر بيدٍ لا تزال تُمسك بالحلم.��ختامًا: كريستيانو رونالدو لم يعد مجرد لاعب كرة. لقد أصبح فكرة. فكرة أن الإنسان قادر على تحدي حدوده. أن الرياضة ليست فقط شبابًا عضليًا، بل نضجًا عقليًا وروحيًا. لقد أعاد تعريف ما يعنيه أن تكون رياضيًا في عصر الاحتراف، وجعل من الرقم 40 بدايةً لا نهاية.��وفي مباراةٍ كُتب لها أن تُخلَّد، سجّل رونالدو هدفًا… لكن الهدف الأكبر كان في قلوبنا: الإيمان بالاستمرار، وبأن ما دامت الروح مشتعلة، فإن الزمن لا يستطيع إطفاءها.