التعود و الشغف والدهشه
بقلم
حسام بدراوي
“عليك الخروج من اطار الروتين والتغلب علي التعود لاسترجاع الدهشة ، انها ارادة ايجابية”
———————————————-
تساءلت حول العلاقة بين التعود، غياب الدهشة، وانسحاب الشغف في العلاقات الإنسانية ، ووجدت أن هناك أربعة مناهج فلسفية يمكننا العودة اليها.
لكن قبل الغوص في الجانب الفلسفي ، فعلينا الاتفاق علي بعض التعريفات حتي يمكننا أن نتفهم ما سأعرضه.
تعريف المفاهيم:
1. التعود (Habituation):
هو عملية نفسية وعصبية يعتاد فيها الإنسان على منبه معين (شخص، مكان، سلوك)، مما يؤدي إلى تراجع الاستجابة العاطفية أو الذهنية لهذا المنبه بمرور الوقت. التعود يُعد من آليات البقاء، لكنه في العلاقات قد يؤدي إلى الفتور.
2. الدهشة (Astonishment/Wonder):
هي حالة عقلية ووجدانية تنشأ عندما يواجه الإنسان ما هو غير مألوف أو غير متوقع. في الفلسفة، الدهشة تُعد الشرارة الأولى للتفكير والتساؤل (كما قال أفلاطون: “بداية الفلسفة هي الدهشة”).
3. الشغف (Passion):
هو انفعال داخلي قوي تجاه فكرة، شخص، أو نشاط. في العلاقات، هو الوقود العاطفي الذي يجعل الإنسان منخرطًا ومتجددًا.
4. العلاقات (Relationships):
هي روابط بين الأفراد، سواء كانت عاطفية، فكرية، اجتماعية أو وجودية. وتقوم على التفاعل والتبادل المستمر.
السؤال الفلسفي الأساسي هو :
هل التعود يُميت الدهشة، وبالتالي يُفقد العلاقات معناها الحي؟ وهل يمكن إعادة إحياء الشغف والدهشة بإرادة حرة أم أن الفتور قدر محتوم؟
الوجودية Existentialism تري أن الإنسان كائن حرّ، لكنه في صراع دائم مع اللاجدوى والروتين.
كيركغارد *تحدّث عن “اليأس الصامت” الذي يصيب الإنسان حين يعيش بلا اختيار حقيقي.
التعود في العلاقة، من هذا المنظور، هو شكل من أشكال “الهروب من القلق الوجودي” عبر إخفاء الصراع خلف قناع من الاستقرار الزائف.
أما هايدغر**، فيفرّق بين “الوجود الأصيل” و”الوجود الساقط في العادة اليومية” (Fallenness). العلاقة التي تفقد دهشتها تصبح جزءًا من “الوجود الزائف”، حيث نعامل الآخر كـ”شيء معروف سلفًا”، لا ككائن حي يتجدّد. الشغف ينسحب لأننا نكفّ عن الرؤية بعيون الوجود الأصيل.
خلاصة فلسفة الوجوديين أنه لا خلاص من التعود إلا بإعادة الوعي، وتجديد العلاقة عبر اختيار حرّ متكرر بأن نرى الآخر من جديد، كل يوم.
هوسرل وميرلو-بونتي- من منظور الفينومينولوجيا- (Phenomenology)
يركّزان على كيفية ادراك العالم: فالإدراك ليس فقط حسّيًا، بل معيشًا و التعود يُميت الإدراك الحي، ويستبدله بـ”نمط جاهز”. وفي هذه التفسير نحن لا نرى الشريك، بل نرى “صورة الشريك المألوفة” فقط.
ميرلو-بونتي يرى أن الجسد يعيش العلاقة، لا العقل فقط. فحين يفقد الجسد حسّ الإدهاش والتفاعل مع الآخر، يصبح اللقاء مجرّد أداء. هذا يفسّر كيف أن العِشرة الطويلة قد تتحوّل إلى صمت غير حيّ، لأن اللقاء لم يعد يحدث فعلًا، بل يُعاد تمثيله دون إدراك أصيل.
خلاصة الفينومينولوجيين أن الحفاظ على الدهشة ممكن إذا عشنا العلاقة كحدث متجدد لا كصورة ثابتة.
من منظور فلسفة العاطفة والحب (Blaise Pascal – Descartes – Ibn Arabi)
فأن القلب “له منطقه الخاص” الذي لا يتفهمه العقل. الحب في بدايته دهشة، لكنه مع الوقت يحتاج إلى رعاية عقلية كي لا ينطفئ. التعود يُميت الدهشة لأننا نتعامل مع الحب كأنه شيء مملوك، بينما هو في جوهره فعل متجدّد.
ديكارت في تأملاته عن الانفعالات، يرى أن العاطفة تفتر إن لم تُغذَّ بالإرادة. الشغف فعل عقل وإرادة، وليس فقط عاطفة تلقائية.
أما ابن عربي، فيرى أن الحب هو “نور إدراك الحقيقة في المحبوب”، وكلما تعمقنا، انكشفت لنا مراتب جديدة. غياب الدهشة، عنده، يعني أننا توقفنا عن رؤية “الوجه الإلهي” في الآخر.
خلاصة هذا التيار أن الحب والشغف لا يموتان إن ظلّ القلب مفتوحًا لرؤية ما لا يُرى في الظاهر.
أما من منظور الصوفية والشعر ( جلال الدين الرومي)
فالصوفي لا يرى في التعود عيبًا، بل يراه امتحانًا: كيف تحب من تعوّدت عليه؟ كيف تظلّ مندهشًا من نفس الطلعة التي رأيتها ألف مرّة؟
أي أن الملل، إن وُجد، يمكن أن يكون بداية تحول. كل لحظة في العلاقة تُخفي سرًّا. وإن غابت الدهشة، فربما غاب “الإنصات الداخلي”.
خلاصة فلسفة الصوفية. أن الدهشة لا تختفي، بل نحن من نغلق أعين قلوبنا عنها. العودة للشغف هي عودة إلى الحضور، لا إلى الماضي.
دعونا لا نتعجب من غياب الدهشة والشغف في علاقاتنا ونحاول مجددا اكتشافها والولوج اليها فهي ليست ماضي بل غياب لرؤية ما هو موجود بجمال وح لأننا ننتقل بالتعود اليً وجود نصنعه ويمكننا الخروج منه ليس بالعودة اليً الماضي بل بخلق واقع ومستقبل جديد.
—————————-
للتعرف علي المرجعيات لهذا المقال والفلاسفة المذكوره أسماءهم ، افتح هذا اللينك