الشريعة الإسلامية ومبادئها «خلطٌ مُتَعَمَّد»
بقلم حسام بدراوي
ماذا يقول الدستور المصرى؟
المادة ٢
«الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع».
المادة ٣
«مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشؤونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية».
تعتبر الشريعة الإسلامية مجموعة مختارة من فقه المسلمين لنصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية التى تتعلق بتنظيم حياة الأفراد والمجتمعات، ويحسبها البعض أحكامًا واجبة الالتزام، مع أنها انتقاءات فقهية من مذاهب فقهية، تختلف بسبب اختلاف الزمن وتعدد مناهج الاستنباط،، حتى وجدنا مؤخرًا أكبر دولة دينية وهى المملكة السعودية ترى أنه لا يوجد أكثر من مائة حديث صحيح يمكن الرجوع إليها فقط فى وضع الأحكام الفقهية.
إن القضية تتمحور حول مفهومين مختلفين، وهما: تطبيق الشريعة الإسلامية فيما يروجّ للعامّة، وتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية فيما ينص عليه الدستور.
وإذا كانت الشريعة الإسلامية هى مجموعة الأحكام الفقهية المنتقاة التى تهدف إلى تنظيم معاملات الناس، فإن مبادئ الشريعة الإسلامية (التى ينص عليها الدستور) هى مجموعة القيم والمبادئ الأخلاقية التى تساهم فى توجيه سلوك الأفراد.
يسعى هذا المقال إلى توضيح الفروق الجوهرية بين هذا وذاك.
أولًا: إن تطبيق الشريعة الإسلامية يتناول مسائل دائمة التغيير، وتحتاج إلى تحديث مع اختلاف الزمان والمكان والأحوال لمراعاة المصالح المتغيرة فى المجتمع، بما فى ذلك الأحوال الشخصية، التى تتعلق بالزواج والطلاق، وكذلك المعاملات التجارية التى تنظم العلاقات الاقتصادية بين الأفراد، والعدالة والقضاء بوضع العقوبات التى تهدف إلى حفظ الأمن والنظام العام، وشروط ولاية القضاء والشهادة وأدلة الإثبات والنفى، وكذلك العلاقات الدولية والمعاهدات والحرب ومعاملة الأسرى وخلافه.
هذا بالإضافة إلى فتح أبواب الفقه والاجتهاد وتجديد التفسير بما يواكب المستجدات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ثانيًا: مبادئ الشريعة الإسلامية
تمثل القيم والمبادئ الأخلاقية الأساسية والفطرية التى يشترك الناس جميعا فى الإقرار بها، وهى تحدد سلوك الناس بالأليق من العدالة والتراحم والتعاون على الخير، وتعتبر تلك المبادئ دليلًا توجيهيًا شاملًا للحياة اليومية. ومن بين هذه المبادئ:
– العدالة: كقيمة مركزية للحكم بين الناس، وواجب يتحتم تحقيقه فى جميع أنواع المعاملات والتفاعلات بين الأفراد.
– الرحمة، فى التعامل الإنسانى الذى يُعتمد عليه فى علاقة الإنسان بنفسه، وعلاقة الإنسان بغيره لإقامة السلام الاجتماعى الدائم.
– المساواة التى تعزّز مبدأ تكافؤ الفرص، دون التمييز بجنس أو لون أو عرق أو حتى دين.
-مبدأ الأخلاق الحسنة.
ثالثًا:
– تتشارك مبادئ الشريعة الإسلامية مع مبادئ الأديان السماوية الأخرى والقيم الإنسانية الرّشيدة؛ لأنها مبادئ فطرية خلقها الله تعالى فى بنية الإنسان المعتاد؛ كما قال تعالى: «فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون» (الروم: ٣٠).
رابعًا: هناك فروقات واضحة بين تطبيق الشريعة الإسلامية وبين تطبيق مبادئها على عدة أصعدة:
– بينما يركز تطبيق الشريعة الإسلامية على انتقاء الفتوى أو الرأى الفقهى لكل مسألة فرعية من مسائل معاملات الناس، فإن مبادئ الشريعة الإسلامية تركّز على صفة العدالة أو الرحمة فى المادة القانونية المصاغة ولو لم تكن من كتب فقه المسلمين، مثل تحديد ساعات العمل، والعطلات الأسبوعية والسنوية بأجر، والمعاشات والتأمينات والديمقراطية، وغير ذلك مما تم أخذه من فقه الغرب غير المسلم ولكنه يتوافق مع المبادئ الإسلامية العامة.
– يتطلب تطبيق الشريعة الإسلامية عدم الخروج عن فقه المذاهب الإسلامية التراثية أو المجامع الفقهية المعاصرة عند وضع تشريعات وإجراءات قانونية لتفعيل أحكامها، بينما تُعزز المبادئ العامة للشريعة الإسلامية المرونة فى الاجتهاد من خلال التعليم والتربية.
– تُعتبر المبادئ العامة للشريعة الإسلامية أكثر شمولية حيث يمكن أن تنطبق على جميع البشر بغض النظر عن الدين أو الثقافة، بينما يتفاوت تطبيق الشريعة الإسلامية بصفتها انتقاءات من فقه التراث حسب الثقافات والعادات الخاصة بكل مجتمع.
فى الختام، يظل الفهم الصحيح للفرق بين تطبيق الشريعة الإسلامية وبين تطبيق مبادئها أمرًا حيويًا لتحقيق العدالة والمساواة والرحمة والمرونة فى المجتمعات.
إن قبول الشريعة الإسلامية وإدراك أنها انتقاءات فقهية، والتمييز بينها وبين مبادئ الشريعة الإسلامية يساعد على بناء فضاء يُعزز من التعايش السلمى، ويحتوى على قيم إنسانية مشتركة.
كما أن الاشتراك مع مبادئ الأديان السماوية الأخرى يعكس القيم الإنسانية المشتركة التى تجمع البشر بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية.
تُعتبر مبادئ الشريعة الإسلامية مرآة تعكس الكمال الأخلاقى والتنظيم الاجتماعى، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان وتوجهه نحو الحق والخير.
أذكر القارئ بديباجة الدستور وهى فى نفس أهمية مواده التى تقول بوضوح إن المحكمة الدستورية هى المنًوط بها قبول تفسيرات الفقهاء وليس مجلس علماء الأزهر ولا دار الإفتاء، فآراؤهم ليست ملزمة بل هى صواب يقبل الخطأ وخطأ يقبل الصواب حسب ما يمليه العقل.
وإن تحولت الفتاوى إلى قانون فإن المحكمة الدستورية هى المنوط بها قبول أو عدم قبول مطابقتها لمبادئ الشريعة الإسلامية.
تقول ديباجة الدستور.
(نكتب دستورًا يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع، وأن المرجع فى تفسيرها هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا فى ذلك الشأن).
لو طبقنا الشريعة الإسلامية كما أفتى بها الشيوخ فى الماضى، فلا قواعد للدولة فى توثيق العقود، ولا تحديد حدود للمرتبات ولا معاشات ولا تأمينات ولا إجازات ولا بنوك ولا بيع وشراء فى البورصة ولا ولا ولا، وكلها أخذناها من نماذج تعاملات أمم أخرى واستعملناها لفائدتها للمواطنين وتنظيم حياتهم.
فى الختام، يظل الفهم الصحيح للفرق بين تطبيق الشريعة الإسلامية ومبادئها أمرًا حيويًا لتحقيق العدالة والمساواة والرحمة فى المجتمعات.
تُعتبر مبادئ الشريعة مرآة تعكس الكمال الأخلاقى والتنظيم الاجتماعى، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان وتوجهه نحو الحق والخير
