البابا “ليو”، وأمل في رسالة مستمرة للإنسانية”
بقلم حسام بدراوي
في زمنٍ شحّت فيه الأصوات الداعية للوئام، وقف البابا فرنسيس يمدّ يده إلى الآخر، يعتذر عن أخطاء الماضي، ويبحث عن أرضية إنسانية مشتركة بين الأديان. كان صوته صوت الضمير في عالم مضطرب.
رغم أنني مسلم العقيدة، فقد كنت وما زلت معجبًا بالبابا فرنسيس. لم يكن مجرد زعيم ديني للكاثوليك، بل كان ضميرًا حيًّا للعالم، يعبّر بلغة الرحمة والتواضع، ويمدّ الجسور بين الأديان والثقافات، ويدعو إلى العدالة الاجتماعية والسلام.
لقد أعاد للكنيسة روحها الإنسانية، وأدخل البعد الأخلاقي في قلب السياسات العالمية، فكان زائرًا للفقراء، وصوتًا للمظلومين، وشريكًا صادقًا في الحوار مع الإسلام، كما تجلى في وثيقة الأخوّة الإنسانية التي وقعها مع شيخ الأزهر.
هذه الوثيقة اعتبرتها ، ليست مجرد اتفاق بين قيادتين دينيتين، بل هي رؤية حضارية تعكس إدراكًا عميقًا بأن التحديات التي يواجهها العالم اليوم، من تطرف وعنف وتفرقة، لا يمكن مواجهتها إلا عبر الوحدة والتعاون بين جميع الأديان والثقافات.
ولعل من أبرز ما جاء في الوثيقة:
“إن الأديان لم تكن أبدًا، ولا يجب أن تكون، سببًا في الحروب أو الصراعات أو الكراهية، بل عليها و على الدوام أن تكون دافعًا لنشر قيم المحبة والتآخي بين البشر.” والتأكيد على أهمية تعزيز مفهوم المواطنة الكاملة ونبذ مصطلح الأقليات الذي يحمل في طياته الإحساس بالتهميش والانتقاص من الحقوق.”
مع انتخاب البابا ليو في حفل مهيب يليق بعظمة التاريخ، لا يسعني إلا أن أستبشر.
فخلفية هذا الرجل، كما قرأتها، توحي بقدوم عقل علمي، وتجربة منفتحة على ثقافات متعددة، وقدرة على مخاطبة العالم بلغة جديدة، تجمع بين الروح والعقل، بين الإيمان والعلم، بين الجذور الدينية والرؤية الكونية الحديثة
البابا الجديد، كما تشير خلفيته، لا يأتي ليكرر الماضي، بل ليخاطب الحاضر بلغة المستقبل. فهو رجل ذو خلفية علمية، جمع في شخصه بين اللاهوت والفلسفة والعلوم الطبيعية، وعاش تنقلًا بين ثقافات متعددة، جعلته يرى العالم بتنوعه لا بانقسامه.
البابا ليو الرابع عشر، المعروف سابقًا باسم الكاردينال روبرت فرانسيس بريفوست،
حاصل على بكالوريوس في الرياضيات: حصل على درجة البكالوريوس في الرياضيات من جامعة فيلانوفا (Villanova University) عام 1977،
يتحدث البابا ليو الرابع عشر عدة لغات بطلاقة، منها الإنجليزية، الإسبانية، الإيطالية، الفرنسية، والبرتغالية، ويقرأ اللاتينية والألمانية.
كمصري مسلم، أتابع هذا الحدث باهتمام وأمل، فنحن في زمن تداخلت فيه المصائر، ولم تعد أي أمة قادرة على أن تعيش في عزلة أو اكتفاء. نحن في حاجة إلى رموز كونية، تؤمن بالإنسان قبل أي انتماء، وتدعو إلى الحوار بدلًا من الصدام، وإلى العقل المضيء بدلًا من الظلام العقائدي.
أتمنى أن يكون “ليو” امتدادًا لما بدأه فرنسيس، وأن يستمر في الدفاع عن البيئة، عن الفقراء، عن النساء، عن المهمّشين. وأن يقف، كما وقف سلفه، ضد القومية المتطرفة، وضد الاستخدام السياسي للدين.
أتمنى أن يكون صوتًا دينيًا يُعيد للإيمان معناه الأخلاقي، لا السلطوي. وأن يفتح أبواب الكنيسة أكثر، لا أن يغلقها أمام الأسئلة والاختلاف.
من قلبي، أرسل له تحية إنسانية، وأقول له:
“أيها البابا الجديد، العالم يتطلع إليك، لا كقائد لطائفة، بل كأبٍ روحي لعالمٍ متعطّش للمعنى. كن جسراً، لا سورًا. وكن ضوءًا، لا صدى. فالعظمة اليوم لا تُقاس بما نملك، بل بما نُشعّ من قيم ورحمة وحكمة.”——-
ولأن الوحي في جوهره دعوة إلى النور، لا إلى التعصب، فإنني أجد في كلمات القرآن صدىً لما يحتاجه عالمنا اليوم:
“وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا”
في هذا المعنى العميق، يصبح البابا الجديد سفيرًا للقيم العليا التي تجمع البشر مهما اختلفت ألسنتهم وعقائدهم.
ولعل “ليو” يكون بحقّ صوتًا جديدًا للحكمة في زمن الضجيج، ورسولاً للسلام في عصر الصراع، ومعلّمًا للرحمة في عالم جفّت فيه ينابيع الرحمة.