الخميس , 9 مايو 2024

أنا و«ست ستات»

أنا و«ست ستات»
الأربعاء 16 مارس 2022
في شهر مارس، شهر المرأة، وعيد الأم، أكتب اليوم عن ست حولى، من المؤكد أن لكل قارئ من يماثلهن في حياته، وأبدأ بالست الثانية لكى أختتم بالأولى.
الست الثانية:
هي كل واحدة من أمهات هذا الجيل الذي نداوم على انتقاده، ونبكى على زماننا الذي مضى وذهب لحاله، فأرى حولى عكس ما يقال، ومعانى لا نتفكر فيها بروية على مستوى كل الطبقات الاجتماعية.
أرى حولى ستات أمهات يرعين بيوتهن، ويعلُ َن أسرهن، ويعملن بلا كلل صبا ًحا ومسا ًء، ك ٌّل منهن تُنفق، وتُربى، وتُحاور، وتُذاكر، وتُعد لكل واحد من أسرتها غذاءه وملابسه وكتبه، وتذهب لتمارين أولادها، ودروسهم الخصوصية، وتمارس وظيفتها في نفس الوقت لتشارك في الإنفاق على أسرتها. وهى نفسها التي تحمل وتلد وترضع وتسهر الليالى، يو ًما بعد يوم، وساعة بعد ساعة.
وهى نفسها، وفى كثير من الأحيان، منتهكة حقوقها، وضحية ذكورية المجتمع الذي لا يقدرها حق قدرها.
أمهات هذا الجيل بطلات في نظرى..
1

الست الثالثة: هي ابنتى..
وقد تتعجب أيها القارئ وأنا أقول لك إنها صارت مث ًلا أعلى لى.. المعتاد أن يكون الوالد هو المثل الأعلى والاستثناء هو ما أنقله إليكم.
طول عمرها وأنا أسميها «أفكارى السعيدة»، لأنها إنسانة متفائلة، مبتسمة، جميلة المظهر والمدخل. ثم وهى في سن الثامنة والعشرين ظهر لها مرض السكر، وفى خلال شهور قليله توغل المرض وأصبح جسمها خال ًيا تما ًما من الأنسولين اللازم لحياتها ونشاطها وطاقتها، بكل ما يعنيه هذا المرض من احتياج لتغيير مطلق لنوعية الحياة، والعلاج المستمر، والحقن والقياس، وتغيير شكل ونوعية الغذاء.
فجأة أصبحت ابنتى، وهى أم لثلاثة أطفال، وزوجة، وامرأة عاملة، في احتياج لصياغة حياتها بشكل جديد.
رأيتها، بشبابها وعلمها ونضارتها، تدخل مرحلة لم تكن معدة لها نهائ ًيا، وسط مسؤوليات حياتها التي تأخذها بجدية والتزام.
غ َّيرت حياتها، بإرادة حديدية، وفى خلال سنوات قليلة تحكمت في نفسها.
ولمتتوقفعنالتدريسللأطفال،فهى ُمعلمةمرموقة،وتفعلذلكوهىتلازمبناتها وتشجعهن ليمارسن معها الرياضة، وتذهب معهن للتدريب البدنى، ودروس الموسيقى، وتشارك كل لحظة في حياتهن، وتحضر كل نشاط في مدرستهن، وتقرأ معهن ولهن، وتملأ حياة أسرتها بالبهجة والسرور.
أنظر إليها وأقول كم أنا فخور بها، كم أنا مقدر ما تفعله من لحظة ما تبدأ يومها الساعة السادسة صبا ًحا مع بناتها إلى ذهابها لعملها وممارسه نشاطها وحياتها، وهى حاملة أوزار مرض السكر العضال، لتقيس وتحلل لنفسها دمها وتضبط معايير غذائها.
ولأنها إنسانة جميلة فإنها كرست جز ًءا من مجهوداتها لمساندة الأطفال المصابين بالسكر لتمنع عنهم كوارث المرض بعد مرور السنين.
انظر إليها وأقول: هذه امرأة تستحق أن تكون مث ًلا أعلى، و ِمثلها في المجتمع كثيرات.
2

لا هي فرطت ولا تكاسلت ولا انهارت، بل واجهت بابتسامة، وانتصرت بإرادة.
ولا يحس أحد من حولها بما فيها ولا تُحمل واح ًدا من أسرتها همها ولا لحظات أسى وخوف لابد قد مرت أو تمر بها.
ولماذا أكتب عنها؟..
أكتب لأن هناك في كل مكان شابة مثلها، فنسبة الإصابة بالسكر في مصر مرتفعة ج ًدا، ومضاعفاته أراها في المرضى كل يوم.
هناك آلاف مثل ابنتى، وعليهن أن يأخذن حياتهن في أيديهن، فلا يبتئسن، ولا يستسلمن، بل يعلمن أن الإرادة والمعرفة والجدية تصنع منهن بطلات وقدوة ومث ًلا أعلى.
يا ابنتى.. ويا كل أم مثلها أنتن أمهات تستحققن الفخر والتقدير. الست الرابعة: هي زوجتى..
كل أم تحب أولادها وتحميهم وتحنو عليهم وتعطيهم بلا انتظار لرد أو اعتراف بجميل، وهو ما يجعل الأم أ ًما. ولكن زوجتى غلفت أمومتها بصداقة مع أولادها بلا تكلف ولا ضغوط، وتواجد إنسانى في حياتهم برغبتهم وسعادتهم واشتياقهم.
إن أول ما يخطر على بالهم، وأنا معهم، بعد يوم عمل أو انتهاء مقابلة أو حدث سعيد أو أليم هو الاتصال بها وسماع صوتها لأنها الأمان بدون كلام، وركن الراحة والاطمئنان بلا ضجة، ومساحة الحرية لهم في التعبير عن أنفسهم بلا خوف من أحكام، ولا رهبة من إخراج مكنون سعادة أو آلام.
أقول لها كشاهد إن هذا أفضل إنجازاتها في الحياة، لأنهم بأنفسهم السوية، واستقامة حياتهم، وجمال سلوكهم، وفضل وعقل علاقاتهم بالآخرين، نتاج لحبها المستمر بلا انقطاع، الذي ك َّون وجدانهم وحنن قلوبهم، وأعطى ك ًلا منهم الفرصة لإظهار أفضل ما فيهم.
3

4
وعندما جاء لنا الأحفاد، طيو ًرا تغنى في سماء حياتنا، وتعطينا نو ًعا وعبي ًرا للسعادة لم نعرفة من قبل، فإذا بها جدة غير عادية بحنان وعلم، وتواجد ومسؤولية، بلا تدخل زائد، بل بحب جارف ومشاعر فياضة وضعت أولوية جديدة في حياتنا.
من أب وزوج يعى دورها في حياته وحياة أبنائه، ويعلم أن جز ًءا كبي ًرا من فضل الله عليه بحب أبنائه يعود إلى أم تدفع فيهم كل ما هو جميل تجاهه، وتعمق في وجدانهم كل ما هو محترم لذاته، أحبك وأشكرك وأحترمك وأقدرك.
الست الخامسة: هي صديقتى..
الصديقة العاقلة القريبة الناصحة، فالصداقة مع المرأة قيمتها كبيرة وعظيمة لو تعلمون.
هل تعرفون لماذا؟
صحيح أن الصداقة عمو ًما كلها محبة وسكينة نفس، لكن الجميل في الصداقة مع المرأة أنه لا لوم فيها ولا احتياج لتبرير فعل أو غياب.
الصداقة مع المرأة تتخلص من ضغوط ارتباط الزواج، ويمكن الشراكة فيها، ولا تستوجب إرضاء الصديق بل أن تكون كما أنت.
في الصداقة الزمن نسبى، فقد تمر سنوات وتقابل صديقًا وكأنه الأمس فلا لوم ولا عتاب.
في الصداقة بهجة بدون تكلفة، وسند بدون ثمن، وثقه لا تُختبر في كل لقطة، وحب لا يدخل امتحانًا لأنه لا يحتاج شهادة لإثباته.
من له صديقة فليتمتع بالصداقة وبهجتها، ومعزة الصداقة ودوامها، وحريتها بنقاء واحترام لحدودها.
الست السادسة: هي أختى.. هي الأخت القوية، المساندة، بألف رجل.

والأخت عندما تكون حنونة وصديقة وشغوفة، كما هو الحال بأختى، فقد أعطانى الله بها مودة، ومنحنى سن ًدا زمن ًيا، فما بالك إن كانت أي ًضا عالمة وقوية وطبيبة ترعى الأم والإخوة والأولاد والأحفاد والزوج. في كل لحظة وفى كل مقام.
لا يوجد لأحد في الأسرة تأثير كتأثيرها، ولا تواجد مثل تواجدها. ليس فقط لعائلتها الصغيرة، ولكن لكل أولادنا وأحفادنا.
هي المتواجدة دائ ًما، المؤثرة في كل وقت، المعالجة والحكيمة لهم كلهم. هي أول من يخطر على بال كل أم في الأسرة لحظة الاحتياج أو الخوف على الأولاد. هي جدار المساندة لكل أسرة صغيرة من أسرتنا الكبيرة، ليس فقط لمهارة العلم، لكن لطمأنينة القلب. والعجيب أن كل من يكبر من الأطفال تظل هي طبيبته وحبيبته مهما كان طوله وعمره ووزنه.
هي أختى.. صديقتى الأولى وراعيتى عبر السنين.. يا لها من امرأة بألف رجل. الست الأولى:
هي ست الستات في الحقيقة: هي الأحب والأعز والأقرب إلى عقلى وروحى ووجدانى.. هي أمى.
كيف استطاعت هذه الأم أن تكون هذه الموسيقى الحالمة في حياتنا بلا ضجيج، ودون أن تطلب من أي واحد منا شيئًا أب ًدا.
هي مصدر الحب، والمودة، والبهجة، والالتزام بيننا. كيف استطاعت بلا تدخل في شؤون أي منَّا أن تكون طرفًا فاع ًلا في حياة كل منَّا؟ كيف جعلت حبها لوالدنا، رحمة الله عليه، نموذ ًجا لكل زوجة في الأسرة؟ وجعلت قناعتها وسكينتها تتسلل إلى وجداننا؟ كيف، وبلا طلب ولا سؤال، جعلت دوراننا حولها متعة وبهجة وأمانًا؟ هذه هي أمى الجميلة، بل الأجمل في الأسرة. برقتها
5

6
بأناقتها
بصمتها
وابتسامتها.
أحبك يا أمى..
أحب فيك رسالة الهدوء وسماحة القبول بيننا، وبلا جهد تَنشرينها.
أحب فيك الصبر والمحبة التي تُعطين.
أحب فيك استيعابك لنا عبر السنين.
بلا شكوى أو أنين.
فأن ِت يا أمى كن ِت ومازل ِت إلهام وجداننا، وأحلى ما في حياتنا. وكل عام أنت بيننا، حولنا، تُش ِعين نورك باستدامة، بإيماءة، وحتى بص ْمتك أو بابتسامة.
أنا لا أكتب في أمى الآن شع ًرا، أنا فقط أصف ما فيها كما هو، وكلماتى لا ترقى إلى حقيقتها.
نح ُّج إليها ولا تدعونا، وإذا التقينا بها تروينا بابتسامتها بلا لوم ولا عتاب لمن تأخر أو َمنلايجىء.
ستة أمثلة لسيدات سوبر في حياتى، وغال ًبا مثلهن في حياة كل منكم.

التعليقات

التعليقات