الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / بطلوع الروح بين السلطة ،والثروة، والجنس

بطلوع الروح بين السلطة ،والثروة، والجنس

بطلوع الروح
بين السلطة ،والثروة، والجنس
قال الشاب : ما رأيك يا دكتور في الجدال الدائر في السوشيال ميديا حول مسلسل “بطلوع الروح ” ومسلسلات أخري تناقش الثوابت في الدين، وهل من حق المفكرين والمؤلفين فتح أبواب نقاش قد تؤدي الي الشك ثم الإلحاد؟
قالت زميلته: سؤالك يا زميلي يخلط بين حرية التعبير وبين ما يظن الناس أنه ثوابت… فما هي هذه الثوابت. ؟
قال شاب ثالث: كما علمتنا يا دكتور ، فلا بد من تعريف الأمور والكلمات قبل الخلاف عليها وحولها ، فإن لم يكن في أذهاننا نفس التعريف علي كلمة ما ، فالخلاف سيكون غير مجدي والحوار سيكون حوار طرشان كما يقول المثل.
قلت: تعالوا نُعَرف الكلمات ثم نتحاور حول السؤال وحول المسلسل الذي أثار غضب البعض وإعجاب البعض الآخر ، بل أن التعليقات عليه تحتاج الي نقاش مجتمعي..
أولا : ماهي الثوابت في الدين ، وأين يكمن الخلاف؟؟؟
البعض ، وأنا منهم يري أن هناك ثوابت مشتركة في كل الأديان السماوية وغير السماوية. وأخص منها الدعوة الي مكارم الأخلاق، وحسن التعامل مع الآخرين ، والرحمة ، والمرؤة ، والصدق والأمانة ، والعدل والإنصاف ، والمحبة وفعل الخير ، وإحترام الوالدين وتقديمهم ..
وتشترك كل الأديان في أهمية التواصل مع الخالق ، بأشكال الصلاة المختلفة ، لنفس الهدف، وهو تنقية النفس من الشرور ، وتذكير البشر بكل ما في الكون من خير ، وكل ما في داخل كل إنسان من أخلاق حميدة تبني للإنسانية وتربط كل واحد بالخالق وبالمخلوقات.
قالت الشابة الذكية: وما قولك في ثوابت قالها العارفين بالدين في زمن غير زماننا ؟ ، وفي إعتبار الأحاديث المنقولة عن الرسول عليه السلام ، وما قاله أئمة الدين أنها ثوابت تكمل ما نزل في القرآن .
قلت: الثابت عندي أن القرآن ،لا يحتاج الي تكملة ، “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] “
فليس فيما أنزل الله نقصانا يستدعي التكملة..
ولكن تفسير آياته يختلف من زمن الي آخر و هو ما يجعله نافع لكل زمان ، وليس من الثوابت ، في إعتقادي، تفسيرات للآيات لم يكن عند مفسريها ما لدينا من علم ومعرفة ، وقدرة اتسعت عبر السنين بالعلم والمعرفة والتجربة.
أما في الأحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ، فقد تداخلت في نقلها ( الذي كتب بعد وفاته بقرب مائتي عام) ، مآرب للبشر ومطالب للسلطة ، وأنا أميل الي تصديق فقط ما يتوافق مع النفس السوية ، وما يمليه معرفتي بجمال وإنسانية سيدنا محمد، وأستبعد منها ما لا يتفق مع شخصيته أو ما في القرآن . والسنة عندي هي ما رآه ورواه من عاشوا وقت الرسالة من أفعال الرسول وليس ما نُقل عنه بعد وفاته بمئات السنين.
أما عن الأئمة والمفسرين ،فشكراً لهم علي مجهوداتهم في زمنها ، ولكننا لسنا مطالبين بتقديس ما قالوه مهما كانت حكمته، فالدين الإسلامي دين لا يعرف الكهانة، ولا يتوسط فيه السدنة والأحبار بين المخلوق والخالق، ولا يفرض علي الإنسان قُربانا يسعي به الي المحراب بشفاعة، من ولي متسلط أو صاحب قداسة، فلا ترجمان فيه بين الله وعباده يملك التحريم والتحليل، ويقضي بالنجاة أو الحرمان، ولن يتجه خطاب هذا الدين العظيم -بداهة -إلا الي الإنسان العاقل الحر، الطليق من كل سلطان يحول بينه وبين الفهم القويم والتفكير السليم.
إن أكبر الموانع التي تُعطل العقل هي عبادة السلف، والاقتداء الأعمي بأصحاب السلطة الدينية.
وأتصور أن الإدراك الذاتي بالعقل هي قدرة الإنسان التي أرادها له الله ، ويميزه بها عن باقي خلقه.
العقل والتفكير هي معجزة الخلق فينا ، فكيف يحاول البعض أن يلغيها ولا يسمح باستخدامها خوفاً علي الدين وعلي معتقدات السلف، وكأن الإسلام يحتاج للحماية ممن يتفكرون وكأن لكلام السلف نفس قداسة القرآن. .
لذلك فقد كرر الله كلمة العقل والتفكير والعلم والعلماء في قرآنه ، بل ولم يجعل لرسوله معجزات مادية كما كان الحال مع الأنبياء الذين سبقوه، وكما طلب منه الناس عند بدء الرسالة .
طلبوا منه المعجزات أو أن يصعد الي الله أو أن ينزل الكتاب لهم من عنده ، فرد قائلا إنما أنا بشر مثلكم يوحي الي.
“وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا (90) أَوۡ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَعِنَبٖ فَتُفَجِّرَ ٱلۡأَنۡهَٰرَ خِلَٰلَهَا تَفۡجِيرًا (91) أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَيۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا
قال الشاب الأول : إذن أنت تري ان استخدام العقل والتفكير من ثوابت الدين..
قلت : نعم من ثوابت الحياة واحترام الخالق.
قال : إذن ما رأيك في المسلسل الذي أثار الجدل؟
قلت: سأناقشه معكم من مداخل مختلفة، الأول هو الجانب الفني ، من إخراج وتمثيل ، وتصوير وخلافه، فهو من هذا المنظور يستحق الإعجاب والتقدير.
المدخل التالي: هو أصل القصة والحكاية ومدي صدقها في النقل عن الواقع الذي كانت في ” الرِقة” التي تم تمثيل دولة الخلافة فيها.. وهنا فإنني أُقدّر الجانب الفني الذي راعي المُشاهد ، وتَجَنب تكديره ، بحقيقة العنف والقتل وجز الرقاب الذي كان يحدث في الواقع لكل من يختلف مع قادة داعش في هذا المكان وهذا الزمان.. لقد كان المسلسل ،كما قال لي أصدقاء من العراق وسوريا ، حنونا علي المشاهدين لأن الواقع كان أبشع مما شاهدنا..
المدخل الثالث: حول دولة الخلافة ، في “الرقة” وهو ما قد لا يلاحظه المشاهد العادي.. المجتمع الذي يحكي عنه المسلسل ليس مجتمعاً منتجآً ، فلم أري زراع ولا عمال ولا مصانع ، بل الكل جنود ومحاربين، فمن أين تأتي ثروة هذا المجتمع ، وكيف يحصلون علي كل هذا السلاح وهذه القنابل ؟؟ ، وهذا العتاد. وممن يشترونه ؟؟
ألا يثير ذلك تساؤلا عن ممولي هذا التوجه بهذا الشكل!!!
المدخل الرابع :، هو شكل المجتمع الإسلامي الذي يضعة الدواعش وأمثالهم كنموذج يجب الأخذ به . هو مجتمع لا حقوق فيه للمرأة نهائياً، ولا رحمة فيه ، ولا عدالة.. الأحكام تصدر وتُنفذ فوراً بلا حق للمتهم في الدفاع عن نفسه ، ولا إثبات علي جرم.. والتنفيذ يتم بقسوة وعنف يخرج بالإنسانية عن مضمونها ، ويثير التفكير فيما يعرضه هذا النموذج الذي يتلحف بالله عز وجل وهو الذي وصف نفسه بالرحمن الرحيم ، ولا علاقة له بهذا المجتمع المتطرف الظالم أحادي الفكر ..
وأرجع الي الفلسفة والي التحليل، الذي يقول أن محركات البشرية بلا تَحَضّر ، هي مثلث السلطة والثروة والجنس..
في كل ما قرأت وشاهدت ، فالقضية تدور حول
هذا المثلث ، سلطة البعض واستعبادهم للآخرين ، بالإكراه والبطش ، ومسح المخ ليصبح الجميع أدوات لبشر يستخدمون الدين لتحقيق مآرب بشرية ، وتحقيق ثروات ، والجائزة دائما هي المرأة في الدنيا والآخرة..
كل شئ يدور حول السلطة، والشهوة ، وحتي الاستشهاد الذي يدفعون الشباب اليه ، جائزته جنس في الآخرة مع الحوريات في السماء والسبايا في الأرض.
والسلطة تحتاج عبيداً، وكل من يُفَكر ويختلف هو كافر يستحق القتل لأنه يتحدي السلطة.
إن استخدام الله واسمه عز وجل عبر التاريخ ، في كل الأديان ، كان وسيلة للتحكم في الشعوب.. لا يختلف المسلمين في ذلك عن اليهود ولا المسيحيين ، الا أن الإسلام قال بصريح العبارة انه لا كهنوت في ذلك الدين العظيم..وأصر المسلمين علي خلق هذا الكهنوت والسير في قطيع الطاعة لمن يدّعون أنهم خلفاء الله علي الأرض.
قال الشاب الأول: وهل يؤدي الحوار الي الشك ثم الإلحاد؟
قلت : مرة أخري التفكير هو وسيلتنا للمعرفة ، ولكل انسان رحلته، في استكشاف الحقيقة.. ومعرفة الله بالعقل وهو ما يؤدي الي الإيمان الحقيقي..
يا شباب ، إقرأوا ، وتَفَكروا ، وتعلموا ، وناقشوا ، وتحاوروا لتكونوا أهلا بإنسانيتكم ، ولتستحقوا نعمة الله عليكم بأكبر هباته لكم ، العقل والحرية والقدرة علي التفكير..

التعليقات

التعليقات