الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ – معركة وجودية ‎

علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ – معركة وجودية ‎

علي مقهي الحالمون بالغد
معركة وجودية
بقلم
حسام بدراوي
هناك غصة في الحلق وألم في النفس ‏من الظلم الواقع علي الشعب‎ ‎الفلسطيني عبر التاريخ الحديث وضياع حقوقهم الذي بدوامه صنع انطباعاً لدي ‏أجيال في الشرق والغرب بأن احتلال اسرائيل لأراضيهم ومهانة التعامل معهم أمر واقع يتحول الي حق ‏يتناقض مع الحقيقة لدرجة اعتبار انتفاضتهم ضد المحتل‎ ‎في عرف الغرب عمل ارهابي. ‏
هذه المعركة فاجئتني بأنها قد تكون الأولي‎ ‎بهذا الحجم التي يتحمل أعباءها ‏ظاهرياً أصحابها و الحقيقة هي أن أصحاب إشعال الحرب هم حماس ولكن كل سكان غزة هم من يتحملون النتيجة. ‏
ينتابني الشك في أهداف هجوم حماس الواسع وعدد القتلي الاسرائيليين بل والأسري منهم ‏لأني لا أثق في قيادة حماس ولا في نياتهم ولا احتمالات اتفاقاتهم التحتية غير البريئة تجاه مصر. ‏
كان من المؤكد انه كان سيكون هناك رداً عسكرياً شديداً وعنيفاً من الآلة العسكرية الاسرائيلية المدججة بالسلاح ،وقد كان، بعد ‏خلق تبريراً اعلامياً امام العالم الغربي المتحيز لذلك. ‏
أين سيتوجه ذلك الرد ، بالعقل ، الي غزة وسكانها مما قد يخلق ضغطاً للهروب خارج الحدود ، الي مصر‎ ‎ونواجه موقفاً مرعباً بمليون أو أكثر من الفلسطينيين علي حدودنا ، لا نملك عدم استقبالهم ولا نملك أسلوب ‏لمنعهم وتبدأ مظاهرات الفلسطينيين والعرب ضد مصر التي لا تتقبل احتواء الأزمة وهو ما سيضع مصر في موقف حرج و صعب جداً. ‏
إمتلاء سيناء بمليون أو أكثر من الهاربين من قصف اسرائيل لغزة قد يكون أحد الأهداف الرئيسية لهذه الحرب ‏المفاجئة ، لوضع مصر في هذا الموقف ..‏ولكن في نفس الوقت ، القضية الفلسطينية تغير حالها بعد ٧ اكتوبر ، وعادت الي أذهان البشرية أصولها والعنصرية التي تتشعب في وجدان حكومات الولايات المتحدة وأوروبا وتسترهم وراء نداءات حقوق الإنسان التي يتلاعبون بها بإزدواج حقير في المعايير.
أعتقد أنه كان أحد أهداف إسرائيل والغرب منذ مدة ، أن تصبح شمال سيناء موطناً بديلا للفلسطينيين وتتابعت ‏المحاولات ، وفي هذه المرة قد تفرضها الظروف القتالية التي تعطي إسرائيل حقاً مصنوعاً بضرب غزة وتهجير ‏سكانها إلي مكان آخر وقد تتحمل مصر المسئولية‎. ‎ ‏
الأزمة أوضحت أيضا أن هناك إزدواج بل تعدد في نظرة اليهود أنفسهم الي الوطن المزعوم ، وأن اليمين الاسرائيلي المتطرف هدفه القضاء النهائي علي الشعب الفلسطيني.
بل أن الأزمة أوضحت شبه استحالة حل الدولتين الذي ينادي به الكثيرين ، فالمستوطنات في الضفة الغربية أصبح بها ٨٠٠ الف اسرائيلي متعصب ولن تجرؤ حكومة اسرائيلية تحت أي اتفاق أن تزيلهم ، وهناك شبه استحالة لدمج الفلسطينيين مع اليهود في دولة واحدة في إطار قانون عنصري رهيب أشبه بالموقف في جنوب أفريقيا بل أعنف منه قبل إنقلاب الأحوال..
ولا أستبعد أن تنهال عروض المساندة المالية من الدولية لاستيعاب المهجرين المطرودين في سيناء وخلق وضعاً جديداً قد يكون ‏من الصعب التخلص منه‎. ‎
قلقي له أسبابه، فدرس حرب النصر المصري في أكتوبر لم يكن عسكرياً فقط بل تفاوضياً‎ ‎و دبلوماسياً بعد خلق ‏وضع جديد بعبور قواتنا واختراقها بارليف. ‏
الحروب تخلق وضعاً يبدأ التفاوض بعده بعد هز توازن القوي ، ولا أري ذلك في ظل إصرار الآلة العسكرية الأمريكية علي إخلاء غزة ( علي الأقل شمالها ). ‏
القضية الأخري أخلاقية ، فكيف ندافع عن الحق بدون الانزلاق الي مستوي دناءة المحتل، وكيف نكسب العالم الذي أصبح بذكاء إسرائيل وغباء إدارتنا االمتراكم للقضية ، متعاطفاً مع المغتصب ويدين المظلوم، وكيف ندافع عن مصر ، وعن تقسيم سيناء ، وعن فوضي قد يخلقها واقع جديد بدون أن يكون هذا التهديد سبباً ومبرراً لعدم المضي قدماً نحو تحديث مصر
فلنتذكر أن مصر القوية داخلياً هي التي تستطيع الوقوف أمام التحدي الحضاري ، وتساند الحق وليس أمامنا سوي خوض المعركة الأكبر والأعظم مع أنفسنا قبل الأعداء.
ولا ننسي أن هناك صراعاً خفياً وظاهراً حول قيادة المنطقة بين السعودية ومصر وإيران وتركيا
لذلك لا يجب أن نسمح بتوقف السعي نحو تنمية مصر إنسانياً ولا ننساق وراء معارك يختلقها آخرين لنا..إننا نقف مؤيدين الحق ولكن لا يشتتنا ذلك ولا يلهينا عن أن أمامنا معركة وجودية وهي تنمية قدرات وعقول ونفوس أكثر من مائة مليون مصري .
دعونا ننتقد حماس ولكن لا نكره الفلسطينين أو نتنكر لحقوقهم.
حماس ليست فلسطين ولكنها لقطة في حياة شعب وقع تحت ظلم جبار وأمة تم سرقة أرضها بعنف غير مسبوق وتمييز عنصري لم يشهده التاريخ.
نحن مع الحق ومع الانسانية ولا يجب أن ننزلق الي العنصرية مثل إسرائيل..
أنا يشغلني أننا شعوب لا تفرق بين حكوماتها والوطن وندمج هذا في ذاك ويصبح هناك خلطاً..حماس حكومة، انتخبت مرة وفلسطين وطن دائم.
الحكومة هي إدارة سياسية لفترة قصيرة من عمر الوطن، ولا حكومة تبقى للأبد . بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي ضمّ رفات الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، هو الفكر والثقافة، والعادات والتقاليد . لهذا من حقّ كل إنسان أن يكره الحكومة ولكن ليس من حقّه أن يكره الوطن .
حماس ليست فلسطين فليس كل من يختلف مع حماس عدوا لفلسطين وليس كل يشك في نوايا حسن نصر الله صديقا للصهيونية…والحكومات مره أخري تأتي وتروح ولكن يتبقي الشعب والوطن..
لقد رفع الغرب برقع الحيا و أظهر عنصرية كامنة ومتأصلة في وجدانهم ، وازدواجية قبيحة لحقوق الإنسان، ولكن لا يجب أن يعطي ذلك حقاً لحكوماتنا العربية بانتهاك حقوق مواطنيها بحجة إزدواجية المعايير لدي الغرب..
ودعوني أوضح الورطة التي يضع فيها أي نظام حكم نفسه عندما يخلط بين نفسه والوطن. قال ديجول زعيم فرنسا العظيم لشعبه أنا فرنسا وفرنسا هي أنا واسقطوه في استفتاء طرحه علي الشعب لتفويضه في بعض الأمور وقد كان الأب الروحي والفعلي لتحرير بلاده وعندما لم يحصل علي النسبة التي طلبها تنحي عن الحكم حتي توفي. هذا لم يؤثر علي احترام الشعب له وتسمية المطارات ومحطات المترو والميادين باسمة.
الطبقة الحاكمة والإعلام الموجه في دول العالم الثالث ، يريدون الخلط بين توجيه النقد لفشل الحكومات في بعض أساسيات الحكم ، النابعة من دساتير بلادهم ، وبين الوطن. فيصير ذكر أي سلبية لنظام الحكم هجوماً علي الوطن ، وذكر أي فشل في إدارة الموارد هجوماً علي البلاد ، ويصبح ذكر تداول السلطة هجوماً علي القادة ، وتختلط الأمور ويصبح الحاكم هو الوطن والرغبة في تداول السلطة هي رغبة في اسقاط الوطن.
المواطن الإيجابي المحترم الذي يري إيجابيات ويشيد بها ، ويري سلبيات يريد تخطيها أصبح ليس له مكان، فإما أنت مع الحاكم أو ضد الوطن.
الإعلام الذي يعتبر أن نقد الحاكم أو الحكومة هو نقد للوطن يساهم في إرساء هذا المفهوم ، ويزيده عمقاً وتزداد الفجوة الحقيقية بين الحاكم مهما كانت طيبة نيته، والمحكوم هذه هي سُنّة الحياة ونتاج التجارب السياسية .
الشعب الذي يخلط بين الحكومة والوطن ، والحكومة التي تخلط بين نفسها والوطن ، هما نتاج سنوات من تهميش المجتمع والسلطة المطلقة. ولا تختلف حماس كحكومة بلا تداول سلطة ، عن مَلكيات لا يحكم فيها الأجدر بل بالدور بين الورثة ، ولا بين جمهوريات تستخدم وسائل الديمقراطية للوصول لكرسي السلطة ولا تتركه بعد ذلك الا بالثورات والاغتيالات والفوضي أو بالوفاة .
ولكن مصر تختلف عن باقي دول العالم الثالث فهي أقوي وأبقي وأعظم من لقطة سلبية في حاضرها ، ولا يجب أن نسمح لها أن تشوه ماضيها ، ولا يصح لنا ولا منا أن نسمح لها برسم مستقبلها..
نحن مع قيادتنا في موقفها في الدفاع عن الوطن وعن سيناء ، نحن نساند حكومتنا في عدم الانزلاق في حروب لسنا مستعدين لها ، أُشعلت نيرانها ممن لن يتحملون مسئوليتها، وبدون مشاورتنا ، ولكن ذلك لا يمنعنا من محاسبة حكومتنا علي أخطائها إذا حدثت ، ولا علي اختلال أولوياتها ، ولا علي طريقة إنفاقها وإدارتها لمواردها إذا حدث ذلك….
.الموقف الحالي وحد مشاعرنا مع فلسطين ، و رغبتنا وتأييدنا ومساندتنا لقيادتنا في موقفها الدولي ولكنه لا ينفي ولا يزيل عدم رضانا عن موقفنا الاقتصادي التنموي.
ولا يجب استخدام هذا الموقف السياسي لتمرير أخطاء ، فكما لا يجب خلط الشعب بين الحكومة والوطن لا يجب أن تمزج وتدمج أي سلطة حاكمة بين نفسها والوطن..كلنا زائلون وسيبقي الوطن..
May be an image of 1 person and text

التعليقات

التعليقات