الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / ‏”هل المتهم مذنب الي أن تثبت برائته ؟؟”‏ – حسام بدراوي

‏”هل المتهم مذنب الي أن تثبت برائته ؟؟”‏ – حسام بدراوي

حوار الأربعاء الأسبوعي
‏”هل المتهم مذنب الي أن تثبت برائته ؟؟”‏
بقلم د.حسام بدراوي
قال الشاب النابه: لماذا يقف المتهمون فى المحاكمات العلنية فى مصر فى قفص، سميناه قفص ‏الاتهام، ولا نرى هذه الظاهرة فى البلاد المتقدمة؟
قلت: حسب فهمى أن القانون لا يلزم القاضى بذلك إلا لحماية المتهم من طرف آخر أو من ‏جمهور أدانه قبل المحاكمة، وقد أكون خاطئا فى فهمى.‏
قال: ولكن هذا أصبح معتادا وأفهمه فى بلاد لا توجد فيها وسائل حماية للمحاكمات، ولكننا بلدٌ ‏الأمنُ يمسك فيه بزمام الأمور.‏
قال شاب آخر: وما معنى وقوف رئيسين للجمهورية فى قفص الاتهام الذى تفننا فى أن نجعله ‏زجاجيا، والآن غير قابل لنقل الصوت إلا من خلال أجهزة وتقنيات، وهم متهمون ولم تثبت ‏إدانتهم. أليس هذا إهانة للمنصب الرفيع؟
قالت الشابة المتحمسة: أعتقد أن ذلك هدفه إعطاء رسالة للشعب بأنه لا أحد فوق القانون.‏
وقال آخر: يستاهلوا بعد كل ما فعلوه فى الوطن.‏
قلت:يعنى إنت خلاص حكمت عليهم بدون تدقيق، ومنطقك يقول إنه لا داعى للمحاكمات، ‏وتعالوا ندين المتهمين من خلال استفتاءات أو استطلاعات رأى، ونضع جهاز العدالة كله على ‏الرف. اسمعونى وتعالوا نفكر معا.. هل المتهم برىء إلى أن تثبت إدانته، أم أن المتهم مدان ‏إلى أن تثبت براءته؟ ميزان العدل يقول إن جهة الاتهام هى النيابة، ومَن جمع الأدلة الأولية ‏لاتهام شخص ما هو أجهزة الشرطة.. والجهتان أعتبرهما سلطة تنفيذية، أما مؤسسة العدالة ‏فهى سلطة مستقلة لا تأتمر بأمر حاكم أو وزير، وهى الجهة التى تتوافر لها وأمامها كل ‏وثائق الاتهام ودلائل البراءة، وهى التى تحكم باسم الشعب إن كان المتهم بريئا أم مذنبا. فى ‏هذه المرحلة كيف يجب أن نتعامل مع المتهم.. ولنفترض أن مدة المحاكمة طالت، وأن المتهم ‏برىء فى النهاية، هل يسكن السجون وتُنتهك حريته أم علينا الانتظار قبل فرض العقوبة؟
قالت صديقتي المحامية المثقفة ، وكانت حاضرة في الحوار :‏
استاذي المستشار كمال المتيني و كان قاضياً في محكمة النقض أيام عبد الناصر و تم فصله ‏تعسفياً في مذبحة القضاة الشرفاء الشهيرة ، فعمل بالمحاماة و انشأ المركز المصري ‏للاستشارات القانونية مع نخبة من المستشارين المعزولين الآخرين أمثال محمد فتحي نجيب و ‏يحى الرفاعي و صلاح الرفاعي و ممدوح الدهان و آخرين .‏
و كان المستشار كمال المتيني قد كتب كتاباً عنوانه “‏‎ ‎الحبس الاحتياطي إجراء احترازي ‏مؤقت أم عقوبة معجلة‎”‎و شرح فيه بالتفصيل الوافي الكافي تاريخ و دواعي الحبس ‏الاحتياطي الذي تحول فعلاً إلى عقوبة تنكيلية.‏
سألتها : وماذا عن إختفاء قاضي الاحالة ( مستشار الإحالة)من الصورة الآن؟
قالت: قاضي الإحالة كان محاولة فاشلة من وجهة نظري لتقصير زمن التقاضي و الحد من ‏عدد القضايا أمام المحاكم بأن يتم التصرف في القضايا بواسطته أو احالتها للمحكمة وتبين أنه ‏تحول إلى محولجي يحيل كل القضايا بعد التحقيق فيها إلى المحكمة لتبدأ الأخيرة مجدداً نظر ‏القضية و أصبح وجوده عبئاً و إضافة إلى مدة نظر القضايا و معطلاً لها بلا جدوي. ‏
و كان المفترض أن قاضي التحقيق يكون عنده الشجاعة الكافية لاتخاذ قرار في القضية و ‏الحكم فيها و لكن هذه القلة النادرة من القضاة تم استبعادها و الباقون آثروا السلامة و اتعظوا ‏ب (‏‎ ‎رأس الذئب الطائر) .‏
سأل واحد من الشباب : هل هناك احصاءات علي عدد القضايا التي أحالتها سلطات النيابة الي ‏المحاكمة وتم الحكم فيها بالبراءة ؟ ‏
قلت: اختفت تقريباً نوعية وكيل النيابة الذي يطالب ببراءة المتهم بعد التحقيق معه؛ فما الذي ‏يدعوه لذلك و يعرضه للشبهات من أنه متوافق
أو تمت رشوته لا قدر الله ؟؟ ‏
‏ وكما قال المثل (من خاف سلم) و يقول لنفسه : لو كان المتهم برئ حقاً‎…. ‎فستبرؤه المحكمة ‏في حكمها ثم إن هناك استئناف و نقض و إعادة محاكمة أمام الاستئناف بدائرة مختلفة ثم نقض ‏و ابرام لثاني مرة.‏
‏ ‏
قال شاب حاد الذكاء : ‏
هناك نكتة شهيرة يا دكتور حسام سمعتها من والدي ، وهو قاضي من الكبار
عن الجمل الهارب المقبوض عليه على الحدود عندما سأله الضابط:‏
لماذا تهرب من البلاد ؟
قال الجمل: لقد صدر أمر بذبح جميع الأرانب.‏
قال الضابط: و لكنك جمل‎!!!!‎
قال الجمل ‏‎: ‎‏ “حليني لما اثبت لهم ‏‎”‎
عدت الي الحوار الجاد وسألت صديقتي : الا يجب رد اعتبار من تم حبسه احتياطيا سنوات ‏وتعويضه اذا ثبتت برائته ؟؟ ‏
قالت: إن المحاكمة ليست خطأ يوجب التعويض بل هى ضرورة وقائية ارتضاها المجتمع ‏لضمان أمنه و سلامته من المجرمين الحقيقيين أو المحتملين. و لكن يمكن للمحكوم عليه ‏بالبراءة المطالبة بالتعويض ممن ادعوا عليه أو شهدوا ضده كذباً علاوة على عقوبة هؤلاء ‏عن جريمة شهادة الزور.‏
قلت : اعود بكم الي القفص واسأل معكم ‏
ولماذا إن كان المتهم ليس مسجونا تحت ذمة التحقيق يتم إدخاله القفص أثناء المحاكمة، إلا إن ‏كان المقصود إهانته وتثبيت الانطباع فى وجدان المجتمع والإعلام بأنه مجرم؟‎!‎
‏ وأكرر أنني أعتقد وأكاد أشك أن مجرد الاتهام أصبح عقوبة، خصوصا فى العمل الاقتصادى ‏والسياسى، وأن العدالة الانتقائية أشد وطأة على حرية المواطنين من انعدام العدالة.‏
قال الشاب النابه:لماذا لا نستخدم فكرة السوار الإلكترونى، بدلًا من تحمل تكلفة وضع ‏المتهمين فى السجون، فضلًا عن تدميرهم وأسرهم نفسيًا، وهم لايزالون متهمين.؟
‏ من المهم حساب النسبة بين المتهمين ممن حُبسوا احتياطيًا، وبين هؤلاء الممكن تمت ‏تبرئتهم، على أن تترتب على ذلك مسؤولية تتحملها الجهة المختصة، التى غالت فى استخدام ‏الحبس الاحتياطى وشغلت الجهاز القضائى بهذا الكم من القضايا التى تنتهى بالبراءة.‏
لو اتفقنا على أهمية وحتمية الحبس الاحتياطى بشكله التقليدى،، فلا منطق رياضى فى كون ‏هذا النوع من الحبس هو المستخدم فى معظم، وربما كل، الحالات، فأين باقى البدائل؟، وما ‏نسب تطبيقها؟، خصوصًا أن القانون قد حدد بدائل بالفعل.‏
مشكلة الحبس الاحتياطى فى مصر يا دكتور واضحة وضوح شمس أغسطس فى سماء ‏القاهرة، فما الذى يؤخرنا عن التعاطى الجاد معها؟
قالت الشابة دارسة الدكتوراه في كلية الحقوق :‏
وحتى فى عقوبة السجن، فالهدف منها إصلاح وتهذيب وتعليم كما كنا نسمع، وتكبيل حرية ‏المذنب لا يعنى معاملته معاملة سيئة، أو نومه فى مكان غير مناسب، أو تكديره. العقوبة هى ‏حجب الحرية وليست عقوبة بدنية.. وللأسف فإن الكثيرين من المتطرفين تطرفوا داخل ‏السجون وليس خارجها.‏
قلت : لقد كنت عضوا نشيطا داخل المجلس الأعلى لحقوق الإنسان لمدة ٧ سنوات، تعلمت ‏فيها وقرأت ودرست وفهمت الكثير الذى غيّر بعض مفاهيمى السياسية فى التعامل والتفرقة ‏بين الحقوق والخدمات، والتفرقة بين فلسفة العقوبة ووسيلة تطبيقها. ولاحظت كثيرا التزيد فى ‏إهانة المواطن أثناء محاكمته وخلال زمن عقوبته.‏
العدالة هى أهم محور من محاور تطبيق الديمقراطية، وبدون تطبيق ناجز لها واستقلالها عن ‏السلطة التنفيذية والتشريعية يصبح انتهاك حقوق المواطنين حتميا.. الميزان يكمن فى فلسفة ‏فعل كل شىء والهدف المراد منه. ولن تقوم لبلادنا قومة اقتصادية أو سياسية بدون ثورة ‏إصلاحية فى مؤسسة العدالة.‏
وهنا أدخل عامل الزمن، لأن العدالة التى تأتى متأخرة تفتقر لكثيرٍ من قيمتها، ولأن القاضى ‏الذى يحتاج التمسح بالسلطة التنفيذية لزيادة موارده يضرب استقلالية القضاء فى مقتل.‏
وكما أقول فى التعليم وأنادى، أقول هنا، العلم والتعلم والمعرفة والتواصل الإلكترونى، ‏والرقمية، والتدريب، ومراجعة النفس، ودراسة الأخطاء ومنع تكرارها.. هى وسائل الأمم ‏الناهضة والحريصة على مستقبلها.‏
رجال القضاء يجب أن يتوافر لهم المناخ والموارد التى تجعلهم بدون احتياج أبدا، فهُم محور ‏تطبيق الديمقراطية، وهم أساس الحريات.‏
وعليهم أن يرتفعوا إلى مستوى ظنوننا العالية بهم، فلا ينساقون وراء عادة، ولا يتأثرون ‏بضغوط سلطة، ولا انطباعات مجتمعية وإعلامية.. وهم أملنا وأمل الوطن .‏

التعليقات

التعليقات