الإثنين , 19 مايو 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / صلاح دياب وأنا وتوازن الكون بقلم حسام بدراوي

صلاح دياب وأنا وتوازن الكون بقلم حسام بدراوي

كتب صلاح دياب هذا المقال ‏
فعلقت عليه بهذا المقال:
صلاح دياب وأنا وتوازن الكون
بقلم حسام بدراوي
قرأتُ مقالًا جميلًا لصديقى صلاح دياب حول التأمل فى كيفية عمل الكون، ليس على المستوى الماكرو (الكلى) مثل الشمس والقمر ولا تعاقب الأيام والفصول، بل طريقة أداء الكائنات الهامشية الدقيقة، مهامها الموكلة إليها. بعضنا يرى أن كثيرًا منها لا فائدة منها، ربما جهلًا بوظيفتها. لكننا لو تأملنا قليلًا، سنجد حكمة من خلقها وتوازنًا للحياة معتمدًا على وجودها، وضرب مثلًا بالنحل الذى سأعود إليه فى نهاية المقال.
نظرية غايا (Gaia Theory) هى تصور علمى وفلسفى مثير، طرحه العالم البريطانى جيمس لوفلوك (James Lovelock) فى سبعينيات القرن العشرين، بالتعاون مع العالِمة لين مارغوليس (Lynn Margulis). وتفترض النظرية أن:
الأرض ككل— كوكبنا بأكمله— هى كائن حى واحد متكامل، ذاتى التنظيم، يعمل على حفظ التوازن البيئى المناسب للحياة.
وتتلخص مبادئ النظرية فى أن الكائنات الحية والغلاف الجوى والمحيطات والتربة يتفاعلون معًا لتكوين نظام معقّد يعمل تلقائيًا على تنظيم البيئة، وأنّ الأرض تحافظ على درجة حرارة، ملوحة، حموضة، ونسبة أكسجين مناسبة للحياة، كما لو كانت «تضبط نفسها».
تضيف النظرية أن الكائنات الحية لا تعيش فقط فى البيئة، بل تساهم فى خلقها وتنظيمها.
وتَصعُد أمثلة من الواقع تدعم ذلك:
■ الطحالب التى تمتص ثانى أكسيد الكربون وتطلق الأكسجين، فتوازن الجو.
■ الكائنات الدقيقة التى تنظّم نسبة النيتروجين فى التربة والهواء.
■ الغابات التى تحافظ على رطوبة المناخ المحلى والعالمى.
اسم النظرية مستوحى من «غايا»، وهى إلهة الأرض فى الأساطير الإغريقية، التى تُجسد الأرض ككائن أمّ حىّ مانح للحياة.
لماذا هذه النظرية مهمة؟
■ لأنها تدعو إلى رؤية الأرض ككائن متكامل، وليس كمخزن موارد فقط، وتعزز فكرة الترابط بين الإنسان والطبيعة، والوعى بالمسؤولية البيئية، وأن الوعى البيئى قد يكون ضرورة للحفاظ على الكوكب… وعلى أنفسنا.
عدتُ إلى أوراقى فى توازن الحياة عندما أثار فكرى مقالَ صلاح دياب، واستخرجت ما كنت قد سجلته عن حكمة النحل وإنذار أينشتاين.
فى منظومة الطبيعة، لا شيء مخلوق عبثًا. كل كائن، مهما بدا بسيطًا أو صغيرًا، يؤدى دورًا جوهريًا فى توازن الحياة على هذا الكوكب. ومن بين هذه الكائنات العجيبة، يبرز النحل كمثال مذهل على التناسق والتكامل بين المخلوقات، وعلى عمق الترابط بين الإنسان والبيئة.
لقد قال أينشتاين، أو نُسب إليه القول: «إذا اختفى النحل من على وجه الأرض، فلن يبقى للإنسان أكثر من أربع سنوات ليعيش». هذه العبارة، وإن كانت محلّ جدلٍ من حيث نسبتها إليه، فإنها تعبر عن حقيقة علمية مؤكدة: النحل هو من الأعمدة الأساسية لاستمرار التنوع الحيوى على الأرض، إذ إن حوالى ٧٥٪ من المحاصيل التى نستهلكها تعتمد على التلقيح، والنحل هو العامل الرئيسى فى هذه العملية.
غير أن النحل اليوم فى خطر. ظاهرة «انهيار مستعمرات النحل» (Colony Collapse Disorder) باتت تؤرق العلماء والمزارعين معًا. واختفاء النحل لا يحدث بسبب عامل واحد، بل هو نتيجة لتراكم ضغوط بيئية عديدة: استخدام المبيدات الحشرية الكيميائية، التغير المناخى، التلوث الهوائى والمائى، وتدمير المواطن الطبيعية نتيجة الزحف العمرانى الجائر. كلها تشكّل حلقة من الضغط المستمر على هذا الكائن الدقيق، الذى يشكّل ركيزة أساسية فى النظام البيئى.
وما يحدث للنحل ليس إلا مرآة لما يحدث للبيئة عمومًا. فكلُّ اختلالٍ فى عنصر من عناصر الطبيعة ينعكس على المنظومة بأكملها. وحين تختل هذه المنظومة، يصبح الإنسان نفسه فى مهب الخطر، لأنه ليس كائنًا منفصلًا عن البيئة، بل جزء لا يتجزأ منها.
لكن النحل لا يعلّمنا فقط عن الخطر، بل يقدّم نموذجًا للاستدامة والتكامل. ففى كل خلية نحل، يتوزع العمل بين الشغالات، والعاملات، والملكة، والذكور، فى نظام دقيق لا يُهدر جهدًا ولا يُفرّط فى المورد. إنها منظومة بيئية مصغرة، قائمة على التوازن والتعاون واحترام حدود كل كائن ووظيفته.
لقد آن الأوان أن نتعامل مع البيئة لا كمخزون نستهلكه، بل كنظام حى نحيا فيه. النحل، بصمته ورقّته، يدعونا إلى وعى جديد: أن الحفاظ على التنوّع البيولوجى ليس ترفًا، بل شرطًا لاستمرار الحياة. وأن احترام التوازن الطبيعى هو أرقى أشكال الذكاء البشرى.
إننى أدعو إلى مبادرة تعليمية بيئية تُلهم القراء وتربط الفكرة بالفعل، فالنحل، بصمته ورقّته، يدعونا إلى وعى جديد: أن الحفاظ على التنوّع البيولوجى ليس ترفًا، بل شرطًا لاستمرار الحياة. وأن احترام التوازن الطبيعى هو أرقى أشكال الذكاء البشرى.
ومن هنا، أقترح إطلاق مبادرة تعليمية بيئية فى المدارس تحت عنوان «حكمة النحل»، تهدف إلى: تعريف الأطفال والناشئة بدور النحل فى التوازن البيئى والغذائى، تنظيم زيارات ميدانية إلى المناحل والمحميات الطبيعية، تشجيع زراعة النباتات المحبّبة للنحل فى المدارس والحدائق العامة.
لابد لنا من ربط مفاهيم الاستدامة، والعمل الجماعى، والتنوع البيولوجى بالمناهج التعليمية، إشراك الطلاب فى مشاريع تفاعلية حول البيئة، ليشعروا بأنهم جزء فاعل من حماية الكوكب.
فحين نُعلّم أبناءنا أن نحلةً صغيرة يمكن أن تكون حجر أساس فى بقاء الحياة، فإننا نزرع فيهم وعيًا جديدًا، واحترامًا عميقًا للطبيعة، ومسؤولية أخلاقية تجاه الأجيال القادمة.

التعليقات

التعليقات

عن د. حسام بدراوي

د. حسام بدراوي
عن دكتور حسام سياسي ومفكر وطبيب بارز فهو رئيس قسم أمراض النساء والتوليد الأسبق في كلية الطب جامعة القاهرة، تلقي الدراسات العليا أعوام 1979 إلى 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية، انتخب عضو في البرلمان المصري ورئيساً للجنة التعليم والبحث العلمي في بالبرلمان منذ عام 2000 حتى 2005، السياسي حسام بدراوي عرف بمواقفه المستقلة ومن القلائل الذين اتفق على نزاهته الجميع من كافة التيارات السياسية، ففي عصر الرئيس الأسبق مبارك كان يلقب بالعاقل داخل صفوف الحزب الوطني، حيث كانت نداءاته وطلباته السياسية تتفق بقدر كبير مع النداءات الداعية للانفتاح السياسي والديمقراطي في مصر، فكان ضد تمديد حالة الطواري، واعترض على انفراد الحزب الوطني بالتعديلات الدستورية، خلال ثورة 25 يناير 2011 ، لعب دوراً سياسياً هاما، حيث عبر منذ اللحظة الأولى على حق المتظاهرين في مطالبهم، ودعا الحكومة إلى الاستماع والاستجابة لهم، ما جعل مبارك مع تصاعد الاحداث لما له من شعبية بتعيينه أمينا عاما للحزب خلفا لأعضاء هيئة المكتب وخلال تلك الفترة عبر عن رأيه السياسي لمبارك بضرورة التنحي، وهو ما دفعه للاستقالة من الحزب بعد 5 أيام من تعيينه يوم 10 فبراير معلنا اختلافه السياسي مع القيادة السياسية في طريقة التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم في حكم الإخوان فظلت مواقفه واضحة منذ اللحظة الأولى برفضه الدولة الدينية التي اعتبرها تريد تلويين الشعب بلون واحد، واعتبر قرار الرئيس المعزول مرسي بعودة مجلس الشعب ترسيخ للديكتاتورية المؤيدة من الولايات المتحدة، وكان من أوائل المنددين بتوغل سلطة مرسي على سلطة القضاء، مستنكرا محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل مليشيات الإخوان أيد د حسام بدراوي حركة تمرد مع بدايتها، وأعلن أن إسقاط حكم الإخوان أصبح ضرورة ومخاطرة لابد منها قبل أشهر من ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن الجيش سيقف بجانب الشرعية المستمدة من الشعب.. في ٢٠١٦ تم اختياره رئيسا للجنة الاستشارية لمشروع التعليم أولا ورئيسا للجنة وضع رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وفي ٢٠٢٢ تم اختياره مستشارا للحوار الوطني لرؤية مصر ٢٠٣٠