الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / إبنتي هي مثلي الآعلي – حسام بدراوي

إبنتي هي مثلي الآعلي – حسام بدراوي

إبنتي هي مثلي الآعلي
بقلم
حسام بدراوي
لا تتعجب أيها القارئ من العنوان، فإبنتي داليا صارت مثلا أعلي لي ……
المعتاد أن يكون الوالد هو المثل الأعلي والاستثناء هو ما أنقله إليكم.
طول عمرها وأنا أسميها ” أفكاري السعيدة” لأنها إنسانة متفائلة ،مبتسمة، جميلة المظهر والمخبر.
وهي في سن الثامنة والعشرين ، وفجأة ، ظهر لها مرض السكر من النوع الأول وهو الأخطر والأصعب في العلاج . وفي خلال شهورٍ قليلة توغل المرض وأصبح جسدها خالياً تماما من الإنسولين اللازم لإستمرار حياتها ونشاطها وطاقتها ، بكل ما يعنيه هذا المرض من احتياج لتغير مطلق لنوعية الحياة ، والعلاج المستمر ، والحقن والقياس ، وتغيير شكل ونوعية الغذاء.
فجأة أصبحت إبنتي، أفكاري السعيدة ، وهي أم لإثنتين من البنات في ذلك الوقت ، وزوجة ، وإمرأة عاملة، في إحتياج لصياغة حياتها بشكل جديد.
وبكل ما في مشاعر الابوة من صدق تمنيت أن أكون أنا وليست هي التي يصيبها المرض، أما والدتها ،و بتدفق حب هائل قررت أن تحرم نفسها من أي شئ سيمنع المرض إبنتها من فعله أو أكله لتشاركها جزءاً من معاناتها.
رأيت إبنتي ، بشبابها وعلمها ونضارتها تدخل مرحلة لم تكن معدة لها نهائياً ،وسط مسئوليات حياتها التي تأخذها بجدية والتزام. ولأننا أسره تقرأ و تناقش كل شئ فقد أصْبَحَت معلوماتها عن مرض السكر علي مستوي معلومات المتخصصين وقد يكون أكثر ، ولأني طبيب وأعلم أن نصف المعلومة أشدُ ضرراً من الجهل في المرض أحيانا ، فقد أمدَدتُها وأمَدتها وسائل المعرفة المتاحة بقدرٍ هائل من الوعي بما هي عليه وفيه، عندما تمكن من جسمها مرض مزمن سخيف عضال.
وأُضيف الي وعيها ، ومعارفها تجاربها هي نفسها لوسائل العلاج المختلفة ، وتطبيق القواعد في الغذاء، الي استخدام مضخة الإنسولين والسفر الي أكبر مراكز التخصص لمنع مضاعفات المرض وكيفية الحياة وهو يلازمها..
داليا غيرت حياتها ، بإرادة حديدية
وفي خلال سنوات قليلة تَحَكمت في جسدها بالرياضة ونوعية الغذاء الي أن أصبحت قائدة لآخرين ومعلمة في رياضة الكروس فيت بل افتتحت مع اصدقاء لها مركزاً للممارسة والتدريب ، في وقت من الأوقات .
وبتحديها للمرض تَدربت شهوراً لتجري ماراثون الثلاثة واربعين كيلومترا في باريس، وانجزته
وتحدت قدرات جسمها لتدخل الالعاب الثلاثيه ،سباحه،وسباق داراجات، ومارثون في الغردقة وأكملته ، وتسلقت جبالاً في افريقيا واوروبا ،
. واخيرا دخلت تحدياً في المنافسة العالمية لهذا النوع الشاق من الرياضة في السويد واكملته**
بالدراسة غيرت عوايد طعامها الي طعام منظم ، صحي، متكامل ولم تتوقف عن التدريس للاطفال باستخدام الموسيقي وهي كانت ما تقوم به قبل المرض ثم لذوي الإحتياجات التعليمية الخاصة بعد ذلك.
وفاجأتنا برغبتها في الحمل الثالث رغم المصاعب ، بعدما تأكدت بالعلم قدرتها علي ذلك، وإستعدادها لتحمل مصاعبه وإحتمالاته.
وقد وضعتني داليا في أصعب موقف في حياتي عندما أصرت أن أكون أنا بكل خبرتي طبيبها ، وأن أقوم بتوليدها ورعايتها لثقتها في علمي وقدراتي وهو ما قمت به لها ولإبنتها الأخيرة سارة التي أضاءت حياتنا بعد ذلك.
داليا إستمرت تفعل ذلك وهي تلازم بناتها وتشجعهم ليمارسوا معها الرياضة، وتذهب معهم للجمباز والباليه ولتدريب البيانو وتحضر كل نشاط مدرستهم، بل وتشارك الامهات في المدرسة مع الاطفال في كل نشاطهم
وتقرأ معهن ولهن وتملأ حياة أسرتها بالبهجة والسرور
يساندها زوج إنسان، خرج عن نمط حياته التقليدي ، يساندها ويشاركها وتشاركه في بناء أسره سوية جميلة.
أنظر الي داليا ، أفكاري السعيدة، وأقول لها كم أنا فخور بها .كم أنا مقدر ما تفعله من لحظة ما تبدأ يومها الساعة الخامسة صباحاً للتدريب وفي السادسة مع بناتها للاستعداد ليوم مدرسي الي ذهابها لعملها وممارسة٬ نشاطها وحياتها وهي حاملة أوزار مرض السكر العضال، لتقيس ، وتحلل لنفسها دمها وتضبط معايير غذاءها.
ولانها إنسان جميل فإنها كرست جزء من مجهوداتها لمساندة الاطفال المصابين بالسكر لتمنع عنهم كوارث المرض بعد مرور السنين.
أنظر اليها وأقول هذه إمرأة تستحق أن تكون مثلا أعلي،
لا هي فرطت ولا تكاسلت ولا إنهارت وتواصلت ، بل واجهت بابتسامة، وإنتصرت بارادة .
لا يحس أحداً من حولها بما فيها ولا تُحَمل واحداً من أسرتها همها ولا لحظات أسي وخوف قد تكون قد مرت ولابد تمر بها.
فيالها من بطلة في عيني.
ولماذا أكتب ذلك عنها…..أكتب لأن هناك في كل مكان ، شابة وشاب مثلها، فنسبة الاصابة بالسكر في مصر مرتفعة جداً، ومضاعفاته أراها في المرضي كل يوم.
هناك ملايين مثل داليا وعليهم أن يأخذوا حياتهم في أيديهم، فلا يبتأسوا ، ولا يستسلموا ،بل يعلموا أن الارادة والمعرفة والجدية ، تصنع منك بطلاً لنفسك ولأسرتك ، وداليا خير مثال علي ذلك.
يا إبنتي أحترمك
وأساندك وأدعمك
وأفخر بك .
**(تحدي الرجل الحديدي العالمي هو ٦ كيلو متر سباحة يليه ١٨٠ كيلو علي الدراجة يلية ٤٣ كيلو ماراثون عبر ١٣ ساعة متواصلة بلا توقف ) للعلم هذا التحدي شارك فيه ٢٠٠٠ مشارك من مختلف الأعمار من كل دول العالم ولكن داليا ومجموعة صغيرة جدا هم من كانوا يعانون من مرض السكر واستطاعت داليا استكماله الي النهاية مع الحساب والقياس والمعرفة والعلم مما دعا طبيبها المعالج الرائع د. اسامة حمدي يكتب لها البوست المرفق وهو من هو في مركز چوزلين بجامعة هارفارد بوسطن بالولايات المتحدة)

التعليقات

التعليقات