الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / الفلسفة وراء الأفعال – بقلم د. بدراوي

الفلسفة وراء الأفعال – بقلم د. بدراوي

الفلسفة وراء الأفعال
حسام بدراوي
بريشتي
فكرت كثيرا في غياب الفلسفة أحيانا وراء القرارات والأفعال في إدارة البلاد ، خاصة في بلاد العالم النامي ، لأنه بدون وجود فلسفة يحدث تخبط وقد تتعارض الأفعال بين حكومة والتالية لها .
مثلا فلسفة العدالة تستلزم وجود النيابة التي تقوم بالتحقيق قبل توجيه التهم الي المواطن وإلا أصبح جهاز الأمن مسيطراً علي أقدار الناس. النيابة هي جهاز يجب أن يكون محايداً وليس تحت وصاية السلطة التنفيذية ، وذلك لحماية الشعب ، وكيل النيابة فلسفياً هو محامي جموع الشعب.
فإذا كانت الاحصاءات تقول أن عدد قضايا البراءة في المحاكم أكثر من قضايا إثبات الاتهام ، فإن محامي الشعب قد يتحول الي جلاده.
اذن للاحتفاظ بالفلسفة وراء الفعل لابد من وجود رقابة و احصاءات وتحليل حتي لا تخرج الوظيفة عن فلسفة وجودها.
نفس الشئ ينطبق علي فلسفة أن المتهم برئ الي أن تثبت إدانته ، فاذا وضعنا كل من نشك فيه وراء القضبان سواء بالحبس الاحتياطي المغالي فيه لشهور و قد تمتد الي سنوات ، أو بمعاملة المتهم كمجرم إلي أن تثبت برائته أو بوضع المتهم في قفص اثناء محاكمته فإننا خرجنا عن فلسفة العدالة الناجزة.
أما في قضايا التنمية ، وسآخذ التعليم كمثال ، فإن فلسفتة أنه حق من حقوق المواطن ، وأولوية لا تقبل المناقشة ، فاذا قامت الدولة بفرض رسوم لدخول المدارس العامة أو قدمت الحق بلا كفاءة تستدعي إنفاق الشعب للحصول علي التعليم خارج نظام التعليم الرسمي المؤسسي أو في التعليم العالي ، أنشأت الجامعات الحكومية التي تستوعب أغلبية المواطنين بمصاريف تتعدي قدرات المواطنين وبدون خلق نظام تمويل للطلاب فهي تخرق فلسفة التعليم بكل المقاييس.
وأذكر أنه عندما فرضت بريطانيا رسوما إضافية فوق موازنة الدولة المخصصة لكل طالب في الجامعات ، أنشأت معها نظاما لتمويل الطلاب لا يسدده الخريج الا بعد تخرجة وعمله وحصوله علي دخل يسمح بسداد القرض بدون ان يؤثر علي حياته. انا أذكركم ان جميع المواطنين في اوروبا يحصلون علي حق التعلم علي نفقة المجتمع ككل الذي تمثله الحكومات، ولا يمكن سلب المًوطنين هذا الحق فهو فلسفة وراء حق الجميع في التعلم.
مثال آخر هو فلسفة رفع مستوي المعلم ، الذي تقول ” ان مستوي التعليم في أي أمة لا يرتفع فوق مستوي معلميه”
اذن ترتبط فلسفة التعليم بالعمل علي رفع مستوي وقدر المعلمين والا أصبحنا خارجين عن فلسفة التعليم.
مثل آخر هو فلسفة إنشاء الطرق السريعة مثلا ، فهدفها تيسير حركة المرور ، وسرعة الوصول الي الهدف ، وأن اتساع الطريق يقاس بأضيق نقطة فيه.
فاذا انفقنا الأموال وأنشأنا الطرق ثم لم نخطط الطريق أو نضع علامات الارشاد كما هو معروف في كل العالم ، أو اذا لم ننشئ مع الطريق مخارجه بسعة تسمح بتيسير الحركة فنحن لا نتبع فلسفة وجوده أساسا ويصبح إنفاق الدولة بلا عائد متكامل.
نفس الشئ ينطبق علي حالة إغلاق حركة المرور امام مئات السيارات في ساعات الذروة للتحقق من رخص السيارات بهدف اكتشاف مخالف واحد أمام تعطيل مائة عدم مخالف ورائه. الفلسفة تقول ان حق التسعة وتسعين وتيسير حياتهم أهم و أفضل من تعطيل الجميع من أجل اكتشاف مخالف واحد.
في فلسفة إدارة الأمن في عالمنا النامي فإن الممارسات التى ترى أن تأمين أى منطقة، يكون بإغلاقها أمام المارة، بينما لايحول استقرار الأمن فى الدول المتقدمة ولا فاعليته من استمرار الحياة في المنطقة الجغرافية ،لأن الأمن لا يتحقق بالمظاهر وإغلاق الطرق بل أن الأمن الحقيقي يتحقق و لانشعر بوجود رجالة الذي يرهب المواطنين وبدون لممارسات التى توقف حياة الناس، وتعطل مصالحهم.. الحل الأسهل، والذى يدل على قلة الحيله هو الإغلاق ومنع المرور ، بلا إكتراث بوجود محال تجارية فى تلك الشوارع، تضطر لإغلاق أبوابها، وتفقد زبائنها، وغير مكترثة لوجود سكان، يعانون الأمرين للوصول إلى بيوتهم، خلف كتل الخرسانة التى تتمركز عندها قوات الأمن، تسأل كل من يقترب إلى أين هو ذاهب، وتطلب ما يثبت أنه يقطن إحدى المبانى الحزينة الواقعة فى منطقة التأمين، وكأنها خلف بوابات سجن منيع.
المسألة في الفلسفة وراء الأفعال فكلما شاهدت اجرائات أمنية وسيارات أمن مركزي في الشوارع فاعلم ان الأمن ليس مستقرا فهذه مظاهر ضعف وليس قوة ،لأن الأمن القوي لا تراه بالعين .
نفس الشئ فلسفيا هو بوابات الامن علي مداخل الفنادق التي لم نعد نراها في كل اوروبا الآن أو علي مداخل المولات والتي أصبحت إجراءات شكلية لا تؤدي قيمة امنية حقيقية.
بل وأضيف ان كمائن الأمن في الشوارع التي تبدأ أحيانا لسبب ، وينتهي سبب وجودها ، ولكنها تظل موجودة تسد حارة من حارات المرور بلا معني ونسميها كمائن والكل يعرف مكانها. انها فلسفة ادارة ومفهوم لا يُعني بالحقيقة ولكن بالشكل.
والآن نأتي الي فلسفة الديمقراطية وهل نحترمها؟
فلسفة الديمقراطية هي الشوري والحرية والمحاسبية وتداول السلطة في اطار قانون يتفق عليه الجميع.
فاذا خالفت الحكومات هذة الفلسفة فقد خرجت عن الطريق الصحيح .
اننا نلاحظ ونحن ننظر إلى الديمقراطية الغربية ، وما يطبق منها فى دول العالم، خاصة الدول النامية، نجد كثيرا من التناقضات بين الفلسفة والواقع، نري تَجَبْر السلطات الممنوحة للحكومات، وأحيانا الظلم الاجتماعى لطبقات من الشعوب التى لا تستطيع بمقومات معارفها وقدراتها أن تحصل على تكافؤ حقيقى للفرص المتاحة كما ندّعى ونقول، فالأكثر تعليماً، والأكثر ثراءاً، والأكثر انفتاحاً على العالم، يحصل على الفرصة، وتزداد الفجوة بين المواطنين تدريجياً وتضيع فى كثير من الأحيان فرص التنمية الإنسانية المستدامة التى نبتغيها من الحكم الرشيد.
الديمقراطية نجحت فى أوروبا وأمريكا الشمالية ولكنها فشلت فى تطبيقها فى الدول النامية والفقيرة.
السؤال هو:
ما هي معضلة تطبيق قواعد الحرية السياسية وتحقيق الديمقراطية فى هذه الدول ؟
والإجابة أن الفعل لا يتناسب ولا يرتبط بفلسفة ولابد لتحقيق الديمقراطية في الدول الفقيرة وغير المتعلمة و لحل المعضلة النظر الي فلسفة الديمقراطية بشكل أعمق.
. إن النموذج الديمقراطى حتى فى تطبيقه الحالى فى الغرب هو محل مراجعة نتيجة ثورة المعلومات والاتصالات التي كسرت الحواجز بين المواطن وصانع القرار، و أتاحت فرصة للتواصل المباشر بينهما ربما دون حاجة لوسيط مثل الأحزاب، بل فقدت الأحزاب أهميتها كأداة للتنظيم وتعبئة الناخبين وجمع التبرعات بسبب إمكانية قيام المرشح بهذه الأمور بشكل مباشر عبر الإنترنت.
ربما يكون الاهتمام الأكبر للمواطن الان يتركز على فاعلية الحكم effectiveness أى قدر الإنجاز والاستجابة لمطالب المواطن بعض النظر عن الفكرة الأيديولوجية التي يتبناها النظام.
ولكن من ناحية أخري، فإن تحقيق أكبر فاعلية للحكم ترتبط بوصول الاكفأ لمقاعد الحكم من خلال نظام يتيح ذلك، ويرتبط أيضا بأهمية وجود نظام الرقابة والمساءلة على صانع القرار، وتحديد فترات للحكم لضمان التجديد فى الفكر وحيوية الأداء. باختصار نرى أن الجيل الجديد للديمقراطية يجب أن يركز على العناصر التالية:
– فاعلية الحكم
– كفاء الحكام
– الرقابة والمساءلة المستقلة عن السلطة التنفيذية.
– نظام عدالة مستقل وفعال (الثورة الحقيقية يجب أن تحدث هنا فى هذا المجال)
– نظام تعليم وثقافة يتيح للمواطنين فرصة اختيار الأفضل.
إننا نبحث عن مبادرات جديدة للحكم، بالاتفاق بين ما نحلم به من دولة مدنية حديثة وبين القوي الحقيقية على أرض الواقع، مبادرات لا تحرم البلاد من إمكاناتها الإنسانية ولا من مؤسساتها الفاعلة الوطنية، مبادرات تعطى للحرية مكانها واحترامها بضبط العدالة الناجزة التى لا تسمح للحرية بالتحول إلى فوضى، ولا بالتلاعب الانتقائي للقانون. مبادرات تسمح لعموم الشعب بالاختيار الحر، وحسن الاختيار لممثليه في البرلمان.
الفلسفة وراء الفعل ومراجعة التطبيق ليتوائم مع فلسفة وجوده هو أمر في غاية الأهمية .

التعليقات

التعليقات