الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / حوار الأربعاء – الفرصة للإنقاذ بين سكون النصف ،و التأرجح ، و التطرف

حوار الأربعاء – الفرصة للإنقاذ بين سكون النصف ،و التأرجح ، و التطرف

حوار الأربعاء 9/8/2023‏
‏(حوار اسبوعي مع د. حسام بدراوي)‏
الفرصة للإنقاذ
بين سكون النصف ،و التأرجح ، و التطرف
بقلم حسام بدراوي
‏ ‏
للنصف فلسفة ، و للتأرجح فلسفة وللتطرف فلسفة..ولن نستطيع أن نفهم ما يجري حولنا من أحداث بدون تفسير ‏مصدر الفعل أساساً في أسلوب حكم البلاد.‏
سأبدأ بفلسفة التطرف ومفهومها. المتطرف كفرد هو كل من يظن أن الصواب من وجهة نظره مطلق، وأن ما ‏يعتقده هو الصحيح الأوحد ، ويصبح متسلطاً إذا أقصى كل من له رأى مختلف، ويصبح مجرماً إذا قتل كل من ‏يختلف معه، ويصبح إرهابياً إذا قتل كل الناس الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم ليوصل رسالته ويفرض طريقته ‏ويمنع وجود غيره.‏
‏ أما في نظم الحكم المتطرفة فإنها تحول المؤيد إلى خادم، والمعارض إلى خائن، والمختلف في الرأي أو ‏الأسلوب إلى عميل. الحكم المتطرف لا يفهم أن اللوحة بلون واحد لا قيمة لها و أن اختلاف الألوان والشخوص ‏والرؤى هو ما يجعل لها وزنًا‎ ‎ويسمح بالتطور .‏
فلسفة النصف الثابت عبر عنها جبران خليل جبران قائلاً:‏
لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين،لا تعش نصف حياة، ولا ‏تمت نصف موت،لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل.‏
إذا رضيت فعبّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت.. فعبّر عن رفضك، لأن نصف الرفض ‏قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها،وهو ابتسامة أجّلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم ‏تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً .‏
نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة، النصف هو لحظة عجزك وأنت لست ‏بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان.‏
أنت إنسان وجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياه.‏‎”‎
وبمراجعة ما قال جبران ،أتسائل هنا برؤية إجتماعية وسياسية ، هل نحن مستعدون للاختيار ؟،‎ ‎وهل نحن ‏مستعدون للحسم السياسى الذى يخدم الاقتصاد ويغير شكل مستقبل البلاد سياسياً و إجتماعياً وثقافياً؟ أم نريد ‏نصف انفتاح ونصف انغلاق..!!!‏
‎ ‎هل نريد قطاعاً خاصاً قوياً خالقاً لفرص العمل ، أم نريد قطاعاً عاماً أو عسكرياً‎ ‎تتحكم فيه‎ ‎الدولة و أجهزتها، ‏أم النصف من ذلك والنصف من هذا إنتقائيا.‏‎ ‎
نحن في النصف نريد ولا نريد.. وللأسف يتغير ما نريده حسب الأحداث كردود فعل وليس كمبادرات وليس ‏ايمانا بفلسفة. إنه نصف عشوائي.‏
هل نحن دولة مدنية أم دولة دينية،لأن كل ما يحدث أمامي يقول أننا في النصف فلا نحن دولة دينية بمعناها ‏الكامل ولا نحن دولة مدنية بمعناها الكامل،‎ ‎فنحن لا نمنع تدخل الدين ورجاله في السياسة بوضوح ،بل يستخدم ‏نظام الحكم مصطلحاتهم وجملهم أحياناً لتأكيد أن السلطة المحاسبية هي فقط من عند الله وليست من المجتمع .‏
‏ نحن في النصف نحصل علي تحكم الدين في السياسة بدون إعلان ذلك ، وننادي بالمواطنة وأفعالنا فيها تمييز ‏سخيف بين المواطنين المختلفين في الدين والجنس ولا نقبل من يتجرأ أن يقول غير ذلك. نحن في النصف .‏
هل نحن دولة عسكرية أمنية أم دولة مدنية حديثة كما يقول الدستور!؟
نحن في النصف. ‏
كلامنا يقول مدنية وحقيقة أفعالنا دولة أمنية عسكرية بلا مواربة. ‏
ومن يقف في النصف لا يصل الي أي خط نهايه ولا يحقق حياة ، فدعونا نحدد أهدافنا ونسير اليها ولا نتوقف في ‏النصف.‏
الجهد الحقيقي الآن ليس فقط في قرار الوقوف في نقطه بهدف الاستقرار نظنها النصف بل أيضا التوقف عن ‏التأرجح على جانبي نقطة المنتصف بعنف ، فلا نصل حتي لفلسفة النصف الساكن، التي لها أحياناً فوائد.‏
فكرت كثيرا في كل ذلك وفي غياب الفلسفة وراء القرارات والأفعال في إدارة البلاد ، لأنه بدون وجود فلسفة ‏يحدث تخبط وقد تتعارض الأفعال بين حكومة والتالية لها .‏
مثلا فلسفة العدالة تستلزم وجود النيابة التي تقوم بالتحقيق قبل توجيه التهم الي المواطن وإلا أصبح جهاز الأمن ‏مسيطراً علي أقدار الناس. النيابة هي جهاز يجب أن يكون محايداً وليس تحت وصاية السلطة التنفيذية ، وذلك ‏لحماية الشعب ، وكيل النيابة فلسفياً هو محامي جموع الشعب. ‏
نفس الشئ ينطبق علي فلسفة أن المتهم برئ الي أن تثبت إدانته ، فاذا وضعنا كل من نشك فيه وراء القضبان ‏سواء بالحبس الاحتياطي المغالي فيه لشهور و قد تمتد الي سنوات ، أو بمعاملة المتهم كمجرم إلي أن تثبت ‏برائته أو بوضع المتهم في قفص أثناء محاكمته فإننا خرجنا عن فلسفة العدالة الناجزة. ‏
أما في قضايا التنمية ، وسآخذ التعليم كمثال ، فإن فلسفته أنه حق من حقوق المواطن ، وأولوية لا تقبل ‏المناقشة ، فإذا قامت الدولة بفرض رسوم لدخول المدارس العامة أو قدمت الحق بلا كفاءة فيلجأ الشعب ‏للإنفاق من موارده للحصول علي التعليم خارج نظام التعليم الرسمي المؤسسي فيتم التفرقة بين القادر وغير ‏القادر ويزول تدريجياً مبدأ تكافؤ الفرص ، أو في التعليم العالي ، تقوم الدولة بإنشاء الجامعات الحكومية التي ‏تستوعب أغلبية المواطنين بمصاريف تتعدي قدراتهم وبدون خلق نظام تمويل للطلاب فإنها تخرق فلسفة ‏التعليم بكل المقاييس. ‏
‏ ‏
والآن نأتي الي فلسفة الديمقراطية وهل نحترمها؟!!‏
‏ فلسفة الديمقراطية هي الشوري والحرية والمحاسبية وتداول السلطة في إطار قانون يتفق عليه الجميع.‏
فاذا خالفت الحكومات هذة الفلسفة فقد خرجت عن الطريق الصحيح .‏
الديمقراطية نجحت فى أوروبا وأمريكا الشمالية ولكنها فشلت فى تطبيقها فى الدول النامية والفقيرة.‏
السؤال هو:‏
ما هي معضلة تطبيق قواعد الحرية السياسية وتحقيق الديمقراطية فى هذه الدول ؟
والإجابة أن الفعل لا يتناسب ولا يرتبط بفلسفة ولابد لتحقيق الديمقراطية في الدول الفقيرة وغير المتعلمة و ‏لحل المعضلة النظر الي فلسفة الديمقراطية بشكل أعمق. ‏
فلسفة الحكومات المنتخبة تتلخص في انها خادمة من ينتخبها وليست سيده، فاذا خرجت تصريحات المسئولين ‏فيها تلوم الشعب علي ما فيه البلاد من تراجع وتظهر كأنها تمن عليه بالمشاريع التي تخدم النمو وكأنها هبة منها ‏وليست حقوقة فلابد ان هناك غيابا لفلسفة الحكم الرشيد. ‏
بعض تصرفات الحكومة لمواجهة تحدي مثل انخفاض قيمة العملة والاحتياج للدولار هو علاج للعرض وليس ‏المرض ويظهر فيه الكثير من عدم الكفاءة والتناقض وكأننا نعطي دواءا وعكسه لعلاج العرض وليس حتي ‏المرض. ‏
الرغبة في جمع الدولارات في اللقطة الحالية جعلت الحكومة تتطرف في التيسير بعدما كانت متطرفة في المنع ، ‏فمنعت القطاع الخاص من استيراد متطلبات الانتاج بأمواله الدولارية الخاصه به ولكنها وبدون سؤال عن ‏المصدر تسمح بايداعها بوعود ربحية مستحيلة في خزينة الدولة وبنوكها المملوكة لها.‏
‏ اليس هذا بالضبط هو غسيل الأموال وتعريفة. يتمثل تعريف غسل الأموال في إخفاء أو تمويه مصدر العائدات ‏التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة، بحيث يبدو أنها تأتت من مصادر مشروعة. وغالبا ما يكون واحدا ‏من مكونات جرائم خطيرة أخرى مثل الاتجار بالمخدرات أو النهب أو الابتزاز. وظاهرة غسل الأموال منتشرة ‏في كل مكان وموجودة في مجالات لا تخطر على البال، وتقاومها مصر بعنف عبر السنين بأجهزة متعددة ، فأين ‏هي هذه الأجهزة من تصرف الدولة لعلاج الموقف الإقتصادي..‏
‏ أي اننا نوقف عجلة التنمية ونسمح بغسيل الأموال لعلاج اعراض المرض الذي تسببنا فيه ونعاني منه .‏
اليس ذلك تطرفاً حاداً في التصرف..!‏
وتأرجحاً لا يخدم استدامة..‏
فلسفة التأرجح الحاد ، فلسفة هدفها تأجيل المواجهة الحقيقية للتنمية المتباطئة بفعل فاعل كرد فعل لللحظة. ‏
لقد ثبت معاناة الشعوب في ظل أنظمة النصف العشوائي ‏‎ ‎أمام رأي مختلف يتكلم عن فلسفة النصف الواعي في ‏المقابل مُستوحى من رأي للأستاذ العقاد حيث يقول فيه بتصرف مني “أن النصف الحقيقي هو نقطة التوازن ‏في الكون وفي الانسان.أن النصف هو ملتقى جزئين متطابقين و/ أو متكاملين أو متقابلين فيحدث النماء. أن ‏النصف هو التقاء الأفكار المتعارضة فيحدث اتفاق .أن النصف الناعم يتعادل مع النصف الخشن فتحلو الحياة ‏بالامن و بالصفاء.‏
أن النصف هو رمانة الميزان التي يتحقق بها العدل في القضاء و
أن النصف من الانصاف فتُؤَدي الأمانات و يتم الأداء.‏
‏ لابد من تلاقي النظم السياسية القبلية و الطائفية بأنواعها و الملكية بانواعها و الجمهورية بأنواعها على أسس ‏مُتفق عليها تتوازن فيها القوي و تلتقي في أسس وسطية فلا نجد دكتاتورية خالصة و لا شيوعية خالصة ولا ‏ملكية خالصة ولا جمهورية خالصة و لا عسكرية خالصة ولا بوليسية خالصة و لا رأسمالية خالصة و لا حتى ‏مدنية خالصة. فهذا ليس من طبيعة الخلق المركبة بل نجد نظماً متوازنة التراكيب لمصلحة الشعوب المتغيرة ‏التراكيب.‏
لقد ثبت أن النظم الجاهزة لم تعد تصلح للنقل و التركيب و التشغيل. لابد من إيجاد نظم تفصيل على ‏المقاس:”Sure mésure”من تصميم و ابتكار جمعية تأسيسية مستنيرة و مُلمة بظروف و تقاليد و تاريخ و ‏تجارب هذا البلد فتُبدع له نظاماً تعمل فيه كل طوائف المجتمع في تناغم مُنتِج و في استفادة متبادلة. ‏
مثلاً النظام السويسري مُبتدع لظروف سويسرا بالذات و الذي على رُقيه لا يصلح للتطبيق في مصر كما قد لا ‏ترتاح الفلاحة المصرية عند ارتداء آخر صيحات الموضة الباريسية.‏
‏. آن الأوان لظهور نظام توافقي بين المدنيه والعسكريه، يصلح للتشغيل و يؤدي للتنمية المستدامة و القدرة على ‏المنافسة الداخليه والعالميه .‏
مره أخري في كل الأحوال نؤكد أنه بدون تطبيق ناجز للعداله وثوره في جهاز تطبيق القانون ، وبدون تنمية ‏إنسانية من باب التعليم والإعلام والثقافة يصعب تحقيق ما نصبو اليه.‏
الحرية بدون قانون تصبح فوضي، وحجة الخوف ، من هذه الفوضي دعماً لاستمرار الحكم الأمني العسكري ، ‏أثبت العلم والتاريخ أنها نظم تخدم فئة حاكمة في لقطة من عمر البلاد ، لكنها تقتل موارد الدولة وتنشر الفساد ‏وتمنع التنمية المستدامة في مستقبلها. ‏
‏ الشفافية و المسائلة طريق لا خلاف حوله فعلاً وليس كلاماً ‏
ربما يكون الاهتمام الأكبر للمواطن الان يتركز على فاعلية الحكم ‏effectiveness‏ أى قدر الإنجاز ‏والاستجابة لمطالب المواطن بعض النظر عن الفكرة الأيديولوجية التي يتبناها النظام . ‏
ولكن من ناحية أخري، فإن تحقيق أكبر فاعلية للحكم ترتبط بفلسفة وصول الاكفأ لمقاعد الحكم من خلال نظام ‏يتيح ذلك، ويرتبط أيضا بأهمية وجود نظام الرقابة والمساءلة على صانع القرار، وتحديد فترات للحكم لضمان ‏التجديد فى الفكر وحيوية الأداء. باختصار نرى أن الجيل الجديد للديمقراطية بلا تطرف ولا تأرجح ولا سكون ‏يجب أن يركز على العناصر التالية:‏
‏- فاعلية الحكم
‏- كفاء الحكام
‏- الرقابة والمساءلة المستقلة عن السلطة التنفيذية.‏
‏- نظام عدالة مستقل وفعال (الثورة الحقيقية يجب أن تحدث هنا فى هذا المجال)‏
‏-‏ نظام تعليم وثقافة يتيح للمواطنين فرصة اختيار الأفضل.‏
أمامنا فرصة للإنقاذ فلنأخذها ، و كفاناً فرصاً ضائعة.‏

التعليقات

التعليقات