الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / حوار الأربعاء – من نحن؟! ‏

حوار الأربعاء – من نحن؟! ‏

حوار الأربعاء 2023/8/16
‏(حوار اسبوعي مع د. حسام بدراوي)‏
علي مقهي “الحالمون بالغد”‏
من نحن؟! ‏
بقلم د.حسام بدراوي
كنت في حضرة مجموعة من شباب الحاملين بالغد ، وذويهم ، وسألت الجميع عما يخطر علي بالهم عندما أذكر ‏أسماء بعض البلاد، لمعرفة الانطباع الذي ترسب في وجدانهم عن هذه الأمم .‏
وعندما كررت سؤالي مع آخرين ، من تجمعات أخري كان هناك شبه توافق علي التالي:‏
‏- المانيا: الجدية والدقة والالتزام، والقسوة علي النفس والغير.‏
‏- إنجلترا: البرود والنظام وأدب الحوار، والاستعمار.‏
‏- فرنسا: الشياكة والثقافة والتعالي والاعتزاز باللغة.‏
إيطاليا: الجمال والأناقة والموضة والحماسة الشديدة والمافيا. ‏
‏- اليابان: التقاليد ومظاهر الأدب والإنجاز.‏
‏- الصين:العمل كفريق والقوة الجمعية والتاريخ والخوف وغموض المشاعر.‏
‏- امريكا: الضخامة والحرية والابداع وعدم المصداقية والاستقواء المتهور.‏
‏- روسيا: الوجوم والعنف وعدم الرحمة ، و البولشوي وتولوستوي وتشايكوفسكي.‏
ـ السعودية : البترول والمال و السلفية والحج.‏
افريقيا: الثروات المنهوبة من الاستعمار والحكومات الوطنية علي السواء ، والظلم والاستعباد.‏
مصر: التاريخ والحضارة والتنوير والفرص الضائعه
والتواكل وعدم الجدية وتشتت الهوية .‏
وقادنا الحوار حول ما تتمتع به الشعوب من صفات ، وهل يمكن فصل الانطباع الذي يأتينا من شعب ما عن ‏الانطباع الذي يتكون من تصرف حكومات هذه الأمم. الذي أعلمه مثلا أن الشعب الأمريكي شعب جميل ‏المعاشرة ، بسيط ومن الممكن التكيف معه ولكن حكوماتة عبر التاريخ كما يقول المثل المصري ” المتغطي بهم ‏عريان”‏
كذلك الشعب البريطاني صاحب القواعد وأدب الحوار ، وإعطاء كل صاحب حق حقه ، ولكن حكومته استعمارية ‏، وتدخلاته في حياة الشعوب الاخري كانت ومازالت مأساوية متعصبة وسبباً في خلق كل مآسي الشرق ..‏
ثم إمتد الحوار حول بلادنا وهويتنا المصرية ، والتغيرات التي حدثت في الشخصية المصرية في التاريخ ‏الحديث من التنوير والانفتاح في بداية القرن العشرين، الي الانغلاق والسلفية في نهايته تحت تأثير الفقر والزيادة ‏السكانية الرهيبه وانتشار الفكر الوهابي السلفي المتطرف، مع غياب القيادة الواعية التي ترسم الطريق بعقل ‏ووعي يبني وجدان الأمة ولا يتركها مشتتة الفكر ويبني علي حضارة عظيمة خَلَفها له أجداده ، ويؤجج وهج ‏شعلة تنوير كان من الممكن أن تضئ مستقبل أمة تحمل چينات العظمة و الريادة. ‏
واتفقنا علي أننا من منطلق إيجابي علينا أن نحقق الركيزة الرابعة من رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وهي ‏‎”‎
بناء الشخصية المتكاملة للتلميذ والطالب في جميع جوانبها ليصبح مواطناً سوياً، معتزاً بذاته، مستنيراً، مبدعاً، ‏فخوراً ببلاده منتمي اليها ،وتاريخها، شغوفاً ببناء مستقبلها، قادراً علي الاختلاف وقابلاً للتعددية، علماً بأن ذلك ‏لا يتم بدون‎ ‎الثقافة و ممارسة الفن والموسيقي و الرياضة .‏
وقادنا الحوار الي أننا لا يجب أن نفصل بين الهوية و المواطنة التي هي بمعناها الأساسي علاقة الفرد بالوطن ‏الذي ينتسب إليه، والتي تفرض حقوقا دستورية وواجبات منصوص عليها دستورياً. و إلي جانب ذلك فإن ‏المواطنة الإيجابية لا تقتصر على مجرد دراية المواطن بحقوقه وواجباته فقط، ولكن حرصه على ممارستها من ‏خلال شخصية مستقلة قادرة على حسم الأمور لصالح هذا الوطن. ويؤدى التطبيق المجتمعي لمفهوم المواطنة في ‏كافة المؤسسات إلى تنمية مجموعة من القيم والمبادئ والممارسات التي تؤثر في تكوين شخصية الفرد، ، والتي ‏تنعكس في سلوكه تجاه أقرانه وتجاه مؤسسات الدولة وكذلك تجاه وطنه. ‏
‏ ‏
أما مفهوم الانتماء للوطن فيمكن القول أنه الارتباط الفكري والوجداني بالوطن والذي يمتد ليشمل الارتباط ‏بالأرض والتاريخ والبشر والحاضر والمستقبل ، وهو بمثابة شحنة تدفع المرء إلى العمل الجاد والمشاركة البناءة ‏في سبيل تقدم هذا الوطن ورفعته. وهذا يرتبط أيضا بفخر المواطن بتاريخه وايمانه بمستقبله، وهي أمور لا ‏تحدث وحدها بل يكتسبها الطفل والشاب من أسرته ومدرسته وجامعته وعمله.‏
‏ ‏
والانتماء للوطن لا يعتمد على مفاهيم مجردة، وإنما على خبرة معاشة بين المواطن والوطن. فعندما يستشعر ‏المواطن من خلال معايشته أن وطنه يحميه، ويمده باحتياجاته الأساسية، ويحقق له فرص النمو والمشاركة مع ‏التقدير والعدل، تترسخ لديه قيم الانتماء له ويعبر عنها بالعمل البناء لرفعته.‏
وأخذنا الحوار الي مجموعة القيم الواجب إرسائها في أطفالنا وشبابنا ، وبناء مشاريع لتأصيلها حتي يكون لمصر ‏شكلا يعبر عن مضمونها التاريخي والمستقبلي..‏
و القيم ليست شعارات تُرفع‎ ‎وإنما قناعات تُترجَم من خلال تصرفاتنا وسلوكنا وتعاملنا مع الآخرين.‏‎ ‎هي مبادئ ‏متضمنه في أفعالنا وعلاقاتنا.‏
‏ وكنت مع شباب الحالمين بالغد قد إتفقنا علي مجموعة القيم الواجب تأكيدها في الإعلام والتعليم ومنابر الثقافة ‏والمعرفة وهي قيم: ‏
‏ -الحريه والعدل والمسئولية،
‏-الصدق و النزاهه والأمانة،
‏-العلم والدقة والإتقان. ‏
‏-الشجاعة والمواطنة، والسماحة والرحمة والإحسان ،
‏ -الغفران،والرأفة، والامتنان ، والبر والتكافل والصبر الإيجابي.‏
‏-الجمال والسعادة والقناعة.‏
‏ -الصداقة والمحبة والعطاء.‏
ولعلي من الواجب أن أضيف أهمية اللغة في بناء الشخصية المصرية وتحقيق أهداف هذه القيم، ‏
لما للغة من عظيم الأثر على كل مناحي الحياة في أي أمة. انها جزء أساسي من هويتنا ، إنها الوسيلة التي تنقل ‏إلينا تاريخنا، وتوثق حاضرنا، وتنقل إلى الأجيال القادمة حضارتنا.‏
‏ وليس الهدف هو القراءة والكتابة فقط، فهو هدف ضيق قصير المدى، لكن علينا أن نفهم أن هذه اللغة هي وسيلة ‏فهمنا لبعضنا البعض . إننا لا نستطيع أن نفهم أنفسنا ولا بعضنا البعض بدون التفكير، ونحن لا نفكر في فراغ، ‏بل يفكر العقل بلغة ما، ويصور أفكاره لديه وللآخرين مستخدماً الألفاظ والجمل والصور التي ترسمها اللغة ‏وتنقلها من فرد إلى الآخر أو الاحتفاظ بها في الذاكرة ومن كل هذا تتكون الهويه.‏
إن تعلم اللغة الأم ،وأي لغة أخري في سن مبكرة يدرب الفرد علي التفكير المتعدد بين اللغات ، والمتعارف عليه ‏أن الأطفال هم الأقدر علي تعلم لغات متعددة عن الكبار.. وحين تترسخ في وجدان الطفل لغته الأم فمن الواجب ‏أن يتم تعليمها علي أعلي مستوي وقياس قدرات الأطفال علي الكتابةِ والقراءة والفهم من سن ثمانية الي تسعة ‏أعوام بإختبارات قياس علمية.‏
‏ ‏
إن اللغة لحياة الفرد، ليست فقط أداه للتعامل، في المجتمع بل هي وسيلته للتفكير والحس، وهي وسيلته لنقل ‏أفكاره والاستفادة من أفكار الآخرين.. وهي وسيلته في الفهم والتقدير، والتقييم ثم الاختيار من البدائل.‏
والآن يدور في الأذهان ، وهل معني تعلم لغة ثانية أو استخدام المراجع الأجنبية يهدد الهوية؟. ‏
وهل الصحيح ألا يتعلم الطفل لغة أخري في مراحل التعليم الأولي ؟….‏
والإجابة القاطعة هي لا…تعليم لغة أخري لا يهدد الهوية ولا يهدد معرفة اللغة الأم الا لو كان تعليم اللغة الأم ‏ناقصاً وضعيفاً من الأساس. إن الطفل يستطيع إستيعاب لغات متعددة أكثر من البالغين ، ولا يجب أن نتمسح في ‏أن تعليم لغة ثانية ستتغلب علي لغته العربية وتجعل تفكيره وهويته مرتبطة بأمة أخري. إننا كمن لا يريد دخول ‏ميدان العلم مع الآخرين خوفا من الهزيمة و نستحسن فوزاً هزيلاً بدون منافسة.‏
إن الهوية كما قلت مرتبطة باللغة ، ولكنها أيضا مرتبطة بالمعايشة في الفصل وبما يدرسه التلميذ من تاريخ ‏وجغرافيه ، و بوجدان يتكون داخل الفصل والمدرسة وفِي البيت مع الاسرة.‏
إن اطفالنا الذين يتعلمون اللغة الثانية في مدارس الحكومة البالغة أكثر من ٥٠ ألف مدرسة لا يتكلم أغلبهم اللغه ‏العربية الصحيحة ولا اللغة الأجنبية الصحيحة ، والحقيقة أن هويتهم مشتتة لأن العقل الجمعي لأمتنا مشتت ‏الهوية بين الفكر السلفي الذي يؤكد الهوية الدينية ، والفكر القومي الذي يؤكد الهوية العربية والفكر الوطني الذي ‏يؤكد الهوية المصرية بتعدد مصادرها.‏
وعلينا أن نكون أكثر واقعية عندما نناقش الهوية، و الانتماء و المواطنة ، لأن غرسها في وجدان الطفل مركب ‏ومتعدد المداخل.‏
والسؤال هو…..هل نقوم بواجبنا لتحديد من نحن
ليعرف شبابنا من هم ؟؟!!!!.

التعليقات

التعليقات