كلمة د. حسام بدراوي في افتتاح مؤتمر القلب بالقصر العيني اليوم الثلاثاء الموافق 29 إبريل 2025 بفندق جراند نايل تاور
السيدات والسادة، الحضور الكريم،
شكري ومحبتي لصديقي وأستاذي د. جلال السعيد ومودتي للابن الاستاذ د. هشام
رئيس قسم الأمراض القلبيه.
يشرفني أن أشارككم افتتاح هذا المؤتمر العلمي الرفيع،
رغم أن تخصصي هو أمراض النساء والولادة، وشغفي هو العمل العام والثقافة والسياسة ، إلا أنني أؤمن أن بين القلب والمرأة علاقة أعمق من حدود التخصصات الطبية.
سألت نفسي : هل للقلب ذاكرة؟
الإجابة تتنوع بين العلم والأدب والفلسفة:
. في العلم
القلب من الناحية البيولوجية لا يملك ذاكرة كما يفعل العقل.
لكنه يتأثر بشدة بالحالة النفسية والعاطفية، ويحتفظ بـ”أثر فيزيولوجي” للتجارب، مثل زيادة ضرباته عند رؤية من نحب أو عند تذكّر موقف مؤلم.
وقد ثبت علميًا أن الجهاز العصبي المحيط بالقلب (ما يُعرف بـ “القلب العصبي” أو Heart Brain) يحتوي على شبكة من الخلايا العصبية التي ترسل إشارات للدماغ وتؤثر على المزاج والانفعالات.
فكأن له ذاكرة عاطفية إن لم تكن معرفية..
في الفلسفة والأدب
نعم، القلب يُنظر إليه كمستودع الذكريات الوجدانية،
فالقلوب “تتذكر” من أَحبّت، ومن آذت، ومن عبرت دون أن تترك سلامًا.
يقول جبران خليل جبران:
“القلب يعرف اليوم ما غابت عنه العقول بالأمس.”
ويقول الشاعر:
“القلب ذاكرُ من أحب، وإن نأى…
والعينُ تدمعُ إن رأتهُ أو سرى.”.
في الفهم الإنساني
القلب هنا رمز للمشاعر والوجدان، فحين نقول: “قلبي ما زال يذكرها”، فنحن لا نقصد العضلة بل الوجدان الذي ارتبط بها.
إذن، نعم… للقلب ذاكرة، ولكنها ليست من لحمٍ وخلايا فقط، بل من شوقٍ وحنين
فالقلب، كما نعرفه اليوم، ليس مجرد مضخة تحرك الدم في الجسد،
إنه مركز التعبير عن المشاعر، ومرآة للحالة النفسية، وشريك صامت في كل لحظة من لحظات الحياة وصاخب في لحظات القلق والتوتر.
والمرأة… ذلك الكائن الذي تتحكم فيه دورة عبقرية من الهرمونات،التي هي
ليست مجرد صانعة لأطوار جسدية، بل راقصة خفية تؤثر في المزاج، في الإيقاع الداخلي، وفي نبض القلب ذاته.
فالإستروجين، الذي يمنح المرأة أنوثتها ورقتها، يلعب دورًا عظيمًا في حماية قلبها من الأمراض،
وعندما ينخفض مستواه مع تقدم العمر أو في بعض الحالات الخاصة، نرى كيف يتبدل إيقاع القلب نفسه، كأن الجسد يكتب فصلاً جديدًا من قصته الداخلية.
انني أرى أن القلب والمرأة يتفاعلان في حوار صامت مستمر،
حوارٌ فيه العلم، وفيه الشعر، وفيه كثير من الأسرار التي ما زلنا نكتشفها يومًا بعد يوم.
لذلك، حين ندرس أمراض القلب، لا بد أن نقرأ الجسد بروح إنسانية واسعة،
أن نتعامل مع دقات القلب لا كأرقام فحسب، بل كقصائد حية مكتوبة بلغة الهرمونات والمشاعر.
السيدات والسادة،
دعوا قلوبكم تتكلم كما تتكلم أيديكم في العلم،
دعوها تنبض لا بالدم فقط، بل بالمعرفة والحب.
ففي كل خفقة قلب… هناك حكاية إنسان.
تحية لقلب الإنسان… وقلب العلم… وقلب الحياة.
شكرا لكم لإتاحة هذه الفرصة لي لأتكلم بقلبي امام علماء وباحثي القلوب .”