الأربعاء , 8 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / رسالة من الماضي .. ورسالة من الحاضر

رسالة من الماضي .. ورسالة من الحاضر

علي مقهي “الحالمون بالغد”
رسالة من الماضي .. ورسالة من الحاضر
سعدت بتدشين السيد رئيس الجمهورية لإستراتيجية مصر لحماية حقوق مواطنيها ، وأحسست بمدي عزمه وتصميمه علي حماية المواطنين وحفظ حقوقهم.
وفكرت أن علينا إقتناص فرصة الحاضر بكل آماله وأحلامه والتعلم من فرصنا الضائعة في الماضي التي قد لا تعيها أجيال جديدة، فيعاودوا محاولة فعل الشئ ذاته بنفس الطريقة فتضيع الفرصة مرة أخري . لذلك إستحضرت من أوراقي رسالة قديمة وخططت رسالة جديدة الي السيد رئيس الجمهورية .
سيدي الرئيس
إنني ، من موقعي ، أتمني على مستوى الدولة الإنتقال من مرحلة الدفاع عن النفس في شأن حقوق الإنسان، أو من الرفض للتعرض للمراجعة أو الإنكار، إلى أن نأخذ بأيدينا زمام الأمور، ونعيد صياغة أولوية توجهاتنا تجاه التزامات مصر الدولية – وتعهداتها الملزمة . بل والأكثر من ذلك الصدق مع النفس في أن إحترام حقوق الإنسان هو طريقنا الفعلي في الإصلاح الداخلي، بمبادرتنا ، وأن أمامنا تحديات متعددة علينا أن ننظر إليها ونحددها ونضع لأنفسنا إستراتيجية زمنية للتغلب عليها.
وأيضا علينا أيضا أن نواجه آلية المراجعة العالمية الشاملة لحقوق الإنسان من منطلق الإرادة الإيجابية، لتحقيق وتطبيق هذه الحقوق كما جاءت في العهود الدولية والمعاهدات التي وقعت عليها مصر، وقناعتنا الوطنية بذلك – وأقترح في هذا الصدد أن نقوم بإعداد وثيقة شاملة كاملة لكافة تعهدات مصر الدولية، والآليات الخارجة منها، ومدى تطبيق مصر لأهدافها، بحيث تشمل بصدق ما تم منها وما لم يتم خلال مدى زمني محدد في إطار شراكة المجتمع المدني مع الحكومة وهو الأمر الأساسي لبيان الايجابيات والسلبيات.
إن تحليل الأوضاع الإقليمية في البلدان المحيطة بمصر يشير الي أن إنتشار المد والتطرف الديني السياسي، من حولنا سواء في غزة أو لبنان أو السودان أو الخليج أو المغرب العربي، هو وضع يزيد من غلبة فكر المواجهة الأمنية . ولكن المواجهة الأمنية على أهميتها لابد أن يكملها رؤية ومساراً وسياسات وبرامج ذات طبيعة سياسية إصلاحية تشارك قوى المجتمع المدني ولا تعاديها، حتى لا تقع فريسة الدعاوى السياسة المغلفة بالشعارات الدينية السياسية .
لا بد أن نُسلم أن المواجهة الأمنية للإسلام السياسي تؤدى بالضرورة الحتمية لفرض بعض القيود على حقوق الإنسان خاصة في مجالات حرية التعبير والانتقال ونشاط الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية وغير ذلك، وبالتالي فإننا نحتاج “لإستراتيجية موازية” لحماية حقوق الإنسان وتعزيز المشاركة السياسية والإنفتاح على المجتمع المدني عبر مبادرات جديدة وفكر جديد وبرامج تنفيذية، يشعر بها المواطنون ويشاركون فيها.
إن العديد من الدوائر الحزبية والحكومية في أوروبا والولايات المتحدة بدأت تطالب بالتعامل مع “تيار الإسلام المعتدل”!. وهذا تناقض اصطلاحي يحتاج للتوضيح ، لأن أي ” إسلام سياسي” ببساطة يستخدم الدين للوصول للسلطة أو على الأقل يخلط الدين بالسياسة، وهذا ما يعد خطراً كبيراً على الدولة المدنية وعلى الدستور وعلى مسيحي مصر وعلى تجانسنا القومي، ودورنا الإقليمي وصورتنا الدولية، وهو أيضا خطر جسيم على كل الشرق الأوسط، لأن ما يحدث في مصر سوف يكون هو النموذج السائد في المنطقة ككل.
أما على المستوى الوطني فإن المد الديني السياسي في تزايد، وتغلغله الاجتماعي واضح ومظاهره الثقافية مقلقة للغاية. وما فعلته الحكومة من إصلاحات في مجال مواجهة ذلك ما زال محدود التأثير على المواطنين . بل إن أجهزة الدولة الإعلامية تساند أحيانا هذا التأثير بأشكال مباشرة، ويزيد على ذلك أن ثقافة التعليم ووسائله تترك التلاميذ عرضة للتأثر بالمدرسين الذين يميلون لتأكيد هذه الهوية، في إطار غير مؤسسي في الدروس الخصوصية، أو حتى في المدارس مما يؤكد بالشكل والمضمون الهوية الدينية وليس المدنية لوجدان الطلاب.
إن أي حكومة لا يمكنها مواجهة التطرف الفكري والديني وحدها، فقط المجتمع يمكنه ذلك . والمجتمع لا يمكن أن يتحالف مع الحكومة لتحقيق هذا الهدف، إلا إذا أطلقنا له القنوات والمساحة والحريات، وضمنا له كرامته بما في ذلك أسلوب المعاملة، ليس فقط في السجون وأقسام الشرطة، ولكن مع كل جهات الإدارة العادية، وفى طلباته لحقوقه الطبيعية في الصحة والتعليم والمواصلات والسكن والغذاء، وهو محور الفكر الجديد في نهضة البلاد الذي على أساسه اشتركت في العمل العام والسياسي. من وجهة نظري لا يوجد خلاف بين مضمون فكر الحزب الحاكم كما ننشره وبين تطبيق آليات حقوق الإنسان ومفاهيمها كما وردت في تعهدات مصر الدولية في هذا الإطار وإلا أصبحنا ننافق أنفسنا والرأي العام.
سيدي الرئيس : إنني أوصي بحكم موقعي الحزبي ومسئوليتي في المجلس القومي لحقوق الإنسان بالتالي :
1. مراجعة موقف الحكومة في رفض دعوة أو استقبال أي من المقررين الخاصين بحقوق الإنسان ، وهو موقف استثنائي لمصر بين دول العالم .
2. مراجعة موقف الحكومة المصرية من إستضافة المكتب الإقليمي لمفوضية حقوق الإنسان في مصر، الأمر الذي يزيد من ثقلها السياسي والإنساني.
– ج. أن تعلن الدولة مبادرة سياسية جديدة نحو تطبيق آليات حقوق الإنسان في مصر، في إطار إستراتيچية تتوافق مع إيماننا بحقوق المواطن المصري . وبناءً علي ما سبق فإنني أخلُص إلى عدد من المقترحات المحددة:-
أولاً:
ا. أن يكون التحليل السابق نواة أو بذرة لتوجه سياسي داخل الحزب الحاكم أكثر توسعاً بهدف تطوير سياسات مصر في مجال حقوق الإنسان.
ب. أن تتضمن سياسة “حقوق الإنسان” تحليلاً لأوضاعنا وسياستنا وتوجهاتنا وتأكیداً على التزامنا بتعهداتنا الدولية، وأن الفكر الجديد يجب أن ينبع من الإيمان بهذه الحقوق.
ج- أن هذا التوجه يمكن أن يمنح الدولة قوة دفع جديدة وحقیقیة، ويجذب لدائرة المشاركة قطاعات عريضة من الشعب الذي ينتظر شيئاً ملموساً وبرامج تنفیذیة، سواء في مجال المعاملة في أقسام الشرطة أو مكافحة التمییز، أو مكافحة الفساد، أو التعرض لظواهر الواسطة والمحاباة التي تقتل الانتماء والمشاركة وتهدم فكرة حقوق الإنسان وتنتهك جوهر المساواة.
ومن بين هذه الأشياء الملموسة والبرامج التنفیذیة عدة إجراءات يجوز مناقشتها، مثل استحداث منصب وزير شئون حقوق الإنسان في مصر ليكون حلقة وصل بين مختلف الوزارات والأجهزة داخليا، ويكون المسئول التنفيذي عن وضع إعلان حقوق المواطن المصري موضع التفعيل والمتابعة ، خاصة وأن مصر تفعل الكثير مما يندرج تحت مفهوم الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية ، والثقافية ، ولكن الحكومة لا تقدم هذا من منظور حقوق الإنسان.
إن هذا الطرح يستكمل الجانب التنفيذي لجدية مصر في تطبيق حقوق الإنسان بعد مبادرات الدولة الناجحة في إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان ، والمجلس القومي للطفولة والأمومة ، والمجلس القومي للمرأة، وإجراء بعض التعديلات التي تضمن استقلال هذه المؤسسات عن الحكومة التنفیذیة وتضمن إستدامة عملها كممثل للشعب وليس الحكومة. كذلك إجراء تعديلات في قانون الطفل هذا العام ، والذي يتوافق مع اتفاقات مصر الدولية، وما سبق من تعديلات في قوانين الجنسیة وخلافه.
ثانیا:
وكإجراء عملي ، اقترح أن تتبني الحكومة وضع وتعديل عدد من القوانين التي تمس حقوق الإنسان في مصر، منها كأولوية ما يلي :
ـ إصدار قانون مكافحة الإرھاب، ووقف إستخدام حالة الطوارئ.
ـ إصدار القانون الموحد لتنظيم أعمال بناء وتدعيم دور العبادة.
ـ رفع خانة الديانة من بطاقة الھویة.
ـ إصدار قانون تكافؤ الفرص وحظر التمییز بين المواطنين.
ـ تعدیل قانون٨٤ لسنة ٢٠٠٢ الخاص بالجمعيات والمؤسسات الأھلیة لیتواءم مع متطلبات المجتمع المدني الفعال.
ـ تعديل المادة ٤٢ من قانون الإجراءات الجنائية، والأخذ بنظام قاضى الإشراف على تنفيذ العقوبات.
ـ تعديل المادة ١٢٦ من قانون العقوبات، والخاصة بمنع التعذيب.
ـ تعديل القانون رقم ١٥٧ لسنة ١٩٦٨ ، لحالات الإختفاء القسري.
وحتي لا يتعجب القارئ فإن هذا الخطاب لم يُكتب هذه الأيام ، وغير موجه الي الرئيس عبد الفتاح السيسي ، ولكنه مكتوب عام ٢٠١٠ موجها من شخصي الضعيف للرئيس الأسبق حسني مبارك ، وأعيد نشره الآن ، لأن الكثير مما فيه ، مازلنا نواجهه . ولدي أمل أن عهداً جديداً.. في جمهورية جديدة .. في إطار الإستراتيجية المصرية التي أطلقها الرئيس منذ أيام ،. أنه سيضع التطبيق ومتابعته كأولوية.
وقد كان لي شرف المشاركة الجزئية في الهيئة الإستشارية التي كونتها بإ حتراف وزارة الخارجية لهذا الأمر .
دعونا لا نكرر أخطاء الماضي ونتعلم من الفشل كما نتعلم من النجاح ، وتتراكم خبراتنا لنبني ولا نهدم.
إننا عبر الزمن نعرف ما نريد …..
وعبر ذات الزمن لا نطبق ما نعرف بنفس جدية الكلام فيه أو كتابته في وثائق وطنية..
رسالتي الجديدة للرئيس السيسي ، الذي أثق في جديته وإيمانه بحقوق المواطنين : أن ينشئ آلية لتطبيق إستراتيجية مصر لحقوق الإنسان ، وآلية لمتابعة إلتزام جميع مؤسسات الدولة بها ، ونحن معه نسانده كمواطنين ، وكمؤسسات عمل مدني.
مازلت حالماً بالغد ولدي أمل.

التعليقات

التعليقات