الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / سياستنا الخارجية بين الكمون والفاعلية

سياستنا الخارجية بين الكمون والفاعلية

علي مقهي “الحالمون بالغد”
سياستنا الخارجية بين الكمون والفاعلية
حسام بدراوي
إنني كمواطن مصري أحمل آمالاً عريضة للوطن، وأسعي لطرح أفكاراً ورؤي يعقبها حوارات مع شباب الحالمين بالغد ، ودافعي الرئيسي وراء ذلك هو شغفي بالإصلاح، ورغبتي في المشاركة الإيجابية لتحقيق الاستدامة في التنمية ، وتراكم الجهود لجعل مصر دولة عظمى، وهي تستحق.
إن ثروة مصر الحقيقية هي في مواطنيها عبر التاريخ. فمن صنع الحضارة المصرية في أقدم دولة في التاريخ هم المصريين، ومن بدأ التنوير في المنطقة ، كانوا المصريين ، وخوفي وقلقي أن نفقد أهم كنوزنا وهم أطفالنا وشبابنا ، سواء بتدني مستوي التعليم أو بتطرف الفكر،أو رجعية السلوك ،أو فقدان القيم.
إن مسئوليتنا عظيمة كأجيال أكبر ، ولابد لمن يملك القدرة أن يدلي بدلوه في إطار الشرعية والقانون وأن يفكر ويقول ويوثق.
وفي هذا الإطار ، أنا أنظر للشعار الذي طَرَحته قيادة البلاد بمسمى “الجمهورية الجديدة” بجدية، بل والتزام بطرح الأفكار التي تساهم في بناء الوطن، تتجنب أخطاء الماضي وتتعلم منها ، وتنظر إلى العالم حولنا وتستفيد من تجاربه..
لذلك فإنني مع مجموعة من الشباب الذين أحاول تحفيزهم ، والخبراء الذين أسعى إلى عصارة تفكيرهم ، والسياسيين المستعدين لطرح آراءهم والشراكة في خبراتهم، نجتمع بين الحين والآخر ، لا لنسأل فقط ، ماذا يقصدون بالجمهورية الجديدة ؟! كما يفعل العديد من الناس، وكأننا طرفاً سلبياً في معادلة صنع المستقبل، بل نتحاور في كيفية أن نكون فاعلين في بناء هذه الجمهورية..
علينا ونحن نرسم طريقنا نحو الجمهورية الجديدة أن نضع في اعتبارنا إن الوضع السياسي و الاجتماعي والتقني في القرن الواحد وعشرين يبدو وكأنه فوز ساحق للتوجه الغربي نحو الليبرالية، ورأسمالية السوق والتأكيد علي حقوق الإنسان في معركة استمرت قرابة أربع عقود بعد الحرب العالمية الثانية ضد الأيديولوجية الفاشية والشيوعية..ولكن ظهر لنا أن الليبرالية الغربية ، تحولت بدون وجود المضاد ، الي وحش كاسر يرسم خريطة استعمارية جديدة ، بتعددية متدنية لحقوق الإنسان ، وتعاني داخلياً الآن من أزمات وجود ، وتحولات متقاطعة ، وفقدان للمصداقية.
ويبدو لي أن ثورتي تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية، هما الآن أعظم تحديات الجنس البشري منذ وجودة ، وأعظم فرصة له ولنا في نفس الوقت.
و يبدو لي كذلك أن إحتمالات دمج تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية قد يؤدي في المستقبل القريب إلى إخراج ملايين الأشخاص من أسواق العمل ، وتقويض مزعج للحرية والمساواة وازدياد الفوارق الاجتماعية.
بل يمكن لهذا التطور ، باستخدامات الذكاء الاصطناعى بخوارزميات البيانات الضخمة خلق ديكتاتوريات رقمية لم تعرفها الإنسانية من قبل، مع تركيز القوة في أيدي نخب صغيرة عابرة للحدود التقليدية للدول بشكلها التاريخي، بينما سيعاني معظم مواطني العالم ، من الاستغلال أو يتم القاءهم في سلال المهملات.
أين نحن من ذلك، هل نحن مستعدون؟
كيف نؤهل شبابنا لهذه التغييرات ولا ننتظر فرجاً من الله، ولا من ينقذنا من ويلات تحديات الفقر والجهل.. إننا من يجب أن يعمل لبناء مصر الجديدة ، بعد أن نُعَرّفها ، ونحدد أهدافنا ووسائل تحقيقها في هذه الجمهورية الجديدة الحديثة..
لقد إقتربت من الإنتهاء من كتابة كتاب عنوانه ” آمال عريضة لجمهورية جديدة ” وأخذت فيه منهجا ، هو كتابة الطرح بعد البحث ، ويليه حوار مع الشباب ، لنستمع لهم ونحترم أن عالم الغد هو عالمهم .
لخصت في الفصل الأول تحت عنوان رؤية متكاملة للجمهورية الجديدة عشر توجهات واختيارات وآمال تحتمل الزيادة ، والقضية ليست في فلسفة التغيير وطرح أفكار خارج الإطار التقليدي ولكن في كيفية تطبيقها أيضاً
شملت التوجهات ، عشرة دعامات للجمهورية الجديدة ، أولها الإستقرار على النظام السياسي لحكم البلاد بغض النظر عن المسمى، أو الأيديولوجية بما يسمح باختيار الاكفأ، والأكثر فاعلية، بشفافية وقدرة من المجتمع على المحاسبية.
وثانيها هو إحداث تغيير ثقافي في سلوكيات المجتمع من بوابة التعليم والثقافة والإعلام، وسياسات واضحة للتعامل مع الشباب من الفئات العمرية المختلفة. ويعني ذلك وضع محور التنمية الإنسانية ، شاملا التعليم ،الثقافة والإعلام والشباب والرعاية الصحية في ملف يمكن التعامل معه في إطار متناسق.
ثالثهما يرتبط بالإيمان المطلق أن قلب الجمهورية الجديدة هو نظام العدالة فيها ، الذي بدونه لا تقوم للدولة قائمة..و أن هناك وجوبية لإصلاح نوعي وفكري لمؤسسات العدالة ومؤسسات إنفاذ القانون «الشرطة». وهذه الدعامة هي واحدة من أهم دعامتين لبنيان الدولة المدنية الحديثة بجانب فتح آفاق المعرفة من بوابة التعليم والتعلم والثقافة .
رابعهما هو إجراء تغيير هيكلي في الاقتصاد المصري، بهدف تحفيز النمو واستدامته وتوازنه، مع خلق فرص التشغيل.
وخامسها هو إصلاح الجهاز الإداري في الدولة وإحياء الأخلاقيات والقيم التي ترسخ مبادئ الأمانة والنزاهة ومحاربة الفساد ودعم الشفافية ، وتغيير نمط الحوكمة والرقمية فى كافة المؤسسات, مع تطبيق تدريجي للامركزية.
سادسها هو الحفاظ على البيئة من أجل الأجيال القادمة مع استدامة توفير الطاقة النظيفة والمياه لاحتياجات الشعب المصرى
سابعها هو تحديد الدور المصرى فى صناعة مستقبل أفريقيا والشرق الأوسط و العالم واستراتيجيات تطبيقه.
ثامنها ، هو زيادة قدرات جيش مصر،عتاداً وتدريباً، وتطوير نمط التسليح بزيادة القدرة على التصنيع العسكري ، وإيجاد التوليفة الحضارية التي تحترم وجود القوات المسلحة التي تحمي الوطن والدستور ، بدون المساس بمدنية الدولة وعدالة المنافسة الاقتصادية وحرية الممارسة السياسية .
ويلي ذلك تاسعاً تنمية دور المجتمع المدنى الفعّال وتنشيطه ودعمه واحترام حقوق المواطنين فعلا وبلا مواربة .
أما التوجة العاشر فهو التحكم فى نمو ونوعية وتوزيع السكان.
ونظرا ً لواقع المتغيرات السريعة والمتعددة حولنا ، أفتح مجالا للحوار حول التوجه السابع وهو تحديد الدور المصرى فى صناعة مستقبل أفريقيا والشرق الأوسط و العالم واستراتيجيات تطبيقه.
إن إيجاد دور فعال لمصر في أفريقيا والشرق الأوسط والعالم في الجمهورية الجديدة يجب أن يتواصل مع تاريخها. .. فلم يُحدثنا التاريخ الحديث أو القديم عن نهضة لمصر، وهى منكفئة على نفسها، أو مغلقة أبوابها ونوافذها عن العالم.. إن دور مصر الريادي التنويري ما زلت أراه حيويا، بل دعامة من دعامات نهضتها.. وهو دور يأتي ليس من فلسفة السكون أو الكمون أو الوساطة، ولكن من فلسفة المشاركة الإيجابية في صنع المستقبل .
نعم مصر القوية داخليا هي مصر القوية خارجيا.. والتاريخ يعلمنا أن مصر َصدّرت التنوير والثقافة في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين.. ومصر َصدّرت الثورة لكل أفريقيا و العالم العربي بعد عام ١٩٥٢ . ومصر بانتهاجها للاشتراكية نقلت تجربتها إلى الدول المحيطة بها.. إلا أن مصر المستقبل، عليها أن تُصدّر – من وجهة نظري- الديمقراطية في ثوب جديد واحترام حقيقي لحقوق الإنسان وانجاز جبار وملموس في الخروج من دوائر الفقر والظلم والجهل والفوضى.. إن مصر في إطار دورها القائد .. إذا أخذت من الداخل بهذا الإصلاح السياسي الاجتماعي .. فإنني أرى دول المنطقة ذاهبة إلى حيث تذهب مصر.. بكل أثرها وتأثيرها.
ولأني أدرك و أؤمن بالمنافسة، فلابد أن يكون لدينا إستراتيجية تنافسية مع الدول التي بدأت تشكل بثقلها الاقتصادي والسياسي شكل مستقبل المنطقة.. وأقصد بها إيران، وتركيا وإسرائيل.وأزيد عليهم دول الخليج الصديقة..
الخليج والمملكة يتقدمان الآن بخطي واثقة الي الحداثة ، و أخشي أن مصر عليها أن تأخذ راية الحداثة مضمونا وترقي به الي مستويات أعلي ، فقيمة مصر وإمكاناتها البشرية كبيرة لو تعلمون..
إن على قيادة مصر دراسة حال إيران بكل ما حدث فيها من نمو رغم الحصار الاقتصادي من الغرب ،ولا أعلم مثلاً لماذا تعتبر إيران عدوا بينما تعتبر إسرائيل حليفاً!! . ولابد من دراسة تركيا وما حدث فيها من توازن اقتصادي و سياسي وتنموي رغم خلافاتنا السياسية العميقة مع نظام الحكم بها الآن ، و وكذلك ما يحدث في إسرائيل، من نمو اقتصادي وعلمي وبحثي وعسكري يجعلها القوة الأكثر تأثيرا الآن في المنطقة، والذي علينا أن نتفوق عليها حضارياً واقتصادياً من مدخل العلم والمعرفة والتنمية والثقافة.
إن ترتيبات أمن المنطقة الذي تسعي اليه إسرائيل الآن وتريد قيادته، موضوع شائك ، وعلي مصر الحذر من أن تكون مجرد تابع فتفقد قيمتها الحيوية في القدرة علي صناعة المستقبل.
وتقول حكمة الإمام ” أحبب حبيبك هوناً ما عسي أن يكون كريهك يوماً ما… واكرة عدوك هوناً ما عسي أن يكون حبيبك يوماً ما”
ونستكمل الأسبوع القادم .

التعليقات

التعليقات