الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ الفن والسياسة ‎

علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ الفن والسياسة ‎

علي مقهي” الحالمون “‏
‏ الفن والسياسة
بقلم ‏
حسام بدراوي
سألتني واحدة من تلميذاتي : ‏
هل الفن مفروض أن يرتقي بالناس‎ ‎أم يجعل فقط غير المعتاد معتاد بتكراره، أليس الأفضل أن يتجنب ما لا ‏يقبله عموم المجتمع وخلاص حتي لا يسئ الي مشاعرهم ! ؟ ‏
هل أفلام العنف مثلا أضافت شيئاً غير أنها جعلت العنف تصرف عادي ؟
الواقع سئ ، فما هو دور الفن ؟ هو ده السؤال..‏
قلت: الفن خيال ورؤية أوسع وأشمل من لقطة تصور اللحظه. الفن عليه أن يقوم بالاثنين، يسجل الواقع ويرسم ‏المستقبل بخيره وشره واحتمالاته. ‏
قصة أن وظيفة الفن أن يرتقي بالناس صحيحة جزئيا ، ولكنها تضعه‎ ‎في قالب واحد ،‎ ‎والارتقاء بالنفس يستلزم ‏أن تري السئ والجميل وياحبذا إن كان هناك رسالة ورسالة مخالفة ‏‎. ‎في النهاية علينا ان نختار. ‏
الاختيار هو فضيلة الانسان. ‏
دائما كنت أقول لتلاميذي أنا تعلمت من المَهَرة من أساتذتي ، وتعلمت من الجهلة أيضاً. كنت أساعد جراحين ‏سيئين أحياناً‎ ‎وأقول لنفسي” لا يمكن أعمل زيهم” ، وكأن السؤ الذي أراه يعلمني الجيد الذي أتمناه. ‏
مره أخري الفن ليس آلة تصوير عليها أن تصور لقطة ، ولكن الفن علية أن يري الحياة كلها بظلالها المختلفة ، ‏ولا ينفي وجود ما لا نحب لأننا لا نريد الاعتراف بوجوده في حياتنا.. الفن يعطي الحق والفرصة لكل متابع ان ‏يُكَون مفهومه‎. ‎
الفكرة هي كيف نعد المجتمع للقيام بدوره في الاختيار‎. ‎
هنا يجئ دور التعليم والاعلام في صنع نسيج قيمي محايد في النفوس.‏
السؤال هنا‎: ‎أليس الأفضل أن لا نضع الشباب أمام اختيارات متعدده حتي لا يخطئون ؟؟.. ‏
والإجابة واضحة ، من لا يستطيع الاختيار غير مؤهل للحياة .. الذين لا يستطيعون الاختيار ، مكتوب عليهم ‏التبعية ، والالتزام بمعتقدات من عاشوا قبلهم أو من يَركب علي عقولهم ، وهؤلاء هم جنود التخلف والإرهاب..‏
وأتذكر مقولة د.طه حسين في كتابه العظيم “مستقبل الثقافة في مصر” : الأمية ليست هي أمية القراءة والكتابة ‏فقط، بل القراءة والكتابة والفهم. من يقرأ ويكتب ولا يفهم هو مطية لمن يفهم..و عبد لمن يختار له طريقة لأنه لا ‏يستطيع الاختيار..‏
‏ وأعود الي الفن الذي يفتح الأذهان ، ويثير مكامن الخيال ، باللوحة والنغمة وبالقصة والسيناريو واللقطة ‏والتمثيل. ضَيقي الأفق فقط هم الذين يسقطون الحاجز‎ ‎بين الدراما والواقع،ويحاكمون الفنان مثلاً علي مهارته ‏في تقمص الشخصية التي يكتبها المؤلف .‏
فهل كان فريد شوقي مجرماً كإنسان لأنه تقمص شخصية الشرير في أفلامه، وهل نضع محمود المليجي في دائرة ‏قساة القلب ورؤساء العصابات. هل نحاكم بأثر رجعي فاتن حمامة علي حبها لعمر الشريف وهي متزوجة من ‏زكي رستم في فيلم نهر الحب ، أم نزيل أحمد مظهر من تاريخ السينما لأنه كان المهندس الذي أغري الفتاة ‏الصغيرة في فيلم دعاء الكروان.. أم علينا محو أفلام هند رستم لأنها ظهرت كفتاة ليل ، في بعض أفلامها أو ‏رقصت مع فريد الأطرش في القطار في فيلم إنت حبيبي ، وننفي مصرية عبد الحليم حافظ لأنه غني أغنيته ‏الخالدة “ياقلبي خبي” وهو يشرب الخمر في الكباريه.‏
‏ ‏
والأدهى وبنفس المنطق علينا اخراج الاستاذ العقاد من قبرة لمحاكمته علي كتابة قصيدة ترجمة شيطان وتخيل ‏فيها حواراً بين الله عز وجل والشيطان ، والذي أعطاه عليها الدكتور طه حسين إمارة الشعر وهو المتهم أيضا ‏بالكفر لكتابته كتاب الشعر الجاهلي الذي إستخدم فيه منطق ديكارت في الشك قبل التحقق. . ‏
الفن ياسادة لا يعبر عن ما في رأي كل واحد فيكم من معتقدات ، بل يطير بالأفكار والخيال عبر الزمن ‏والأحداث. ‏
قرأت للإمام الشيخ محمد عبده عام ١٩٠٣ عن الفن التشكيلي والتمثيل والموسيقي‎ ‎يقول إن الرسم ضرب من ‏الشعر الذي يُري, أما إذا نظرت إلي الرسم وهو ذلك الشعر الساكت, فإنك تجد الحقيقة بارزة لك, تُمتع بها نفسك ‏كما يَتَلذذ بالنظر فيها حسك.‏
إن الفن يحيي الجمال في النفوس، والجمال سمة مميزة من سمات هذا الوجود، يتجلى في كل مكان، وهو نوع من ‏النظام والتناغم والانسجام ذو مظاهر وتجليات لا حصر لها، فالدقة والرقة والتناسق والتوازن والترابط، ومظاهر ‏أخرى كثيرة يشعر بها الوجدان، وإن لم يستطع التعبير عنها في أغلب الأحيان. وهذا يمثل درجتين مختلفتين من ‏القدرات لدى الإنسان: قدرة الإحساس ، وقدرة التعبير .، و كل إنسان فنان بدرجة من الدرجات، ويبقى التفرد في ‏الفن للمواهب الخاصة التي ينفرد فيها إنسان عن الآخر.‏
الحرية تتيح للفنان الإبتكار والإبداع بلا خوف ، وأحيانا يصبح الكبت و الظلم دوافع للفنان للإبداع للخروج من ‏حلكة الظلام حوله…‏
والسؤال التالي جائني من واحد من آلشباب الذين يحاوروني : وما علاقة الفن بالسياسة ..‏
وأضاف زميله: هوه حضرتك بتشتغل إزاي في السياسة وأنت في جوهرك عالِم وفنان؟
قلت :مع إحترامي للجميع ، فإذا لم يتوافق العمق الثقافي مع السياسة ، لكانت مصيبة.. مشكلتنا الحقيقية أن الكثير ‏من السياسيين لا خيال عندهم. الفن والثقافة والسياسة بينهم تلازم لو كان الناس يفقهون..‏
كذلك يرتبط الفن بالعلم فالتعبير عن الإحساس الفني يحتاج إلي استخدام العلم والتقنيات لضمان الجودة في ‏المادة المقدمة للجمهور ، ومن ناحية أخري هناك علوم كعلم الطب يفتح للإنسان منافذ غير مرئية لغير الدارس، ‏ويُدخل الطبيب الي عوالم جديدة طول الوقت، وفي الأغلب تنتهي به الي الفن والفلسفة. ‏
وأقتبس من زميل لي قوله:‏
المثقف يقوم بوظيفة لم يكلفه بها أحد ، ومع ذلك فإن التاريخ يخبرنا بضروة ثنائية المثقف والسلطة.‏
وأي قرار سياسي وأى مجتمع يتخلى عن مثقفيه وفنانيه يُبْقي هذا المجتمع نزيلاً في غرفة الإنعاش‎””‎
علّقَت صديقتي الفنانة العظيمة قائلة: السياسيين الذين لا خيال لهم يقودوننا للعناية المركزة، هذه جملة عبقرية .‏
قلت : يا عزيزتي الخيال دخل ذهن الانسان من ٣٠ الف سنة فقط بتحور في چينات مجموعة البشر الذين كانوا ‏يعيشون في شرق أفريقيا فتخيلوا و سافروا ما بعد البحار وتخيلوا ما في السماء وكانوا قبل هذا التغير مجرد ‏مجموعات تعيش سويا من أجل الصيد والأكل والتزاوج.‏‎ ‎
الخيال هو أصل حضارة الانسان وكل ما يتخيله البشر قابل للحدوث وإلا ما كان .‏
ولعلك تلاحظين أننا نعيش في أكثر مما تخيله آباءنا وجدودنا .‏
والسياسة بلا خيال تصبح مجرد عمليات ضرب وقسمة وطرح، ولكن الفن والخيال يجعل واحد + واحد مساوياً‎ ‎لأكثر من مجموعهم الرقمي ( اثنين.).‏
ورسالتي الي من يريدون تحويل الفن الي نسخة واحدة من عقولهم ، وحصر الثقافة في رؤيتهم ، ويريدون ‏استبعاد البدائل من أمام الشباب أن مصر أكبر منهم وأعمق تاريخاً من مجرد مجتمع مسطح تقوده أحادية الفكر ‏وغوغائية الصوت العالي، وتدني التعبير في النفاق .
May be an image of 1 person and text

التعليقات

التعليقات