الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / علي مقهي “الحالمون بالغد” حوار حول الشباب…. مع الشباب

علي مقهي “الحالمون بالغد” حوار حول الشباب…. مع الشباب

علي مقهي “الحالمون بالغد”
حوار حول الشباب…. مع الشباب
(من كتاب الجمهورية الجديدة)
بريشتي
فتح الشباب معي موضوعاً يشغلني منذ زمن وهو سياسات الدولة في التعامل مع الشباب.
قال الطبيب الصغير في السن الكبير في العقل سائلاً:
هل تغيرت المنطلقات الفكرية الحاكمة للتعامل مع الشباب عبر الزمن يا دكتور، وقد عايشتها شاباً ورجلاً وسياسياً وأكاديمياً؟
قلت: بالمراجعة التاريخية يمكنني القول، أن المرتكزات الأساسية لثورة يوليو ٥٢ إعتمدت على قيام أجهزة الدولة بلعب دور الوصي على أفكار الشباب ورؤاهم. وتدخل النظام وحزبه الحاكم أيا كان إسمه في تحديد أهداف العمل مع الشباب بغرض إثبات أيديولوجية محددة تميل الي اليسار الاشتراكي، في وجدانه مع التركيز علي تهميش دور الشباب المنتمي لأي تيار أو أي توجه آخر له توجه معارض أو حتي مختلف.
لقد ارتبطت توجهات الدولة باستخدام الشباب لخدمة أهداف النظام السياسي في كل مرحلة كما حدث في عهدي الرئيس ناصر واعتماده علي التنظيم الطليعي لمنظمة الشباب ثم الرئيس السادات وسياسته في دفع الإخوان والتيارات الإسلامية لمواجهة التيار الناصري داخل الجامعات والتي انتهت باغتياله بواسطتهم. ثم محاولات تنظيم حورس في عهد الرئيس مبارك الذي إنتهي بفساد وإفساد للشباب ، وبعد ذلك في فتره حكم الإخوان باعتمادهم علي شباب الإخوان في فرض سيطرة علي الشارع ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي والمحكمة الدستورية وخلق شبه جيش نظامي موازي لجهاز الشرطه يفرض الطاعة ويعاقب المختلف عنهم.
غير أن هذه الرؤي التي ظن أصحابها أنها كانت صالحة في فترة الحكم خلال العهود الثلاثه لثورة يوليو، ، ثم عهد الإخوان، لم تعد صالحة في الفترة الحالية ومرحلة إعادة بناء الدولة .
وأري الآن محاولات جديدة ، قديمة ، لنفس المنهج في تنسيقية الأحزاب ، وتكليف حزب واحد ، بدون أيديولوچية للقيام بدور الحزب الحاكم شكلاً وكلنا نعلم أنها إعادة لصياغة ما فشل سابقاً وكأننا لا نتعلم من الماضي.
إن ما يشهده المجتمع من تنوع في ا لأفكار والرؤى يمثل تحدياً خطيراً في حد ذاته، ومن الواجب وضع تصور للتعامل معه ايجابياً ، ليس بالمنع ولا بالإجبار ولا بخلق تيار أحادي جديد ولكن بالعلم والمعرفة والخبرة والعمل الجاد مع الشباب في إطار رؤية جديدة.
ويكمن التحدي في عدم تعود الأطراف المختلفة علي وجود الآخر، وفِي نفس الوقت عدم تعود أجهزة الدوله المعنية بالشباب والأمن علي التعامل مع التعددية التي هي أساس الدولة المدنية الحديثة.
قالت شابه أخري: هل من الضروري أن يكون للدولة توجه مع الشباب أم يُتركوا لأفكارهم؟
قلت: أنا أري أنه من الضروري بلورة سياسة عامة جديدة للشباب تلتزم بها أجهزة الدولة، في مواجهة إزدياد جاذبية أفكار التطرف والعنف، ومواجهة أخطار حقيقية مرتبطة بغياب القيم في التعامل وخلق ثنائيات متضادة بين الأديان وحتى داخل إطار الدين الواحد وغياب أسس المواطنة واختيار عدم الإيمان بشرعيه المؤسسات واللجوء إلي الشارع لأخذ ما يُظن انه حق بالعنف والتخريب للتعبير عن المطالب والاحتياجات.
إذا لم تقوم الدولة سياسياً بخلق المناخ لذلك ، ستقوم به جهات أخري. لا يوجد في السياسة فراغ، حيث دائما سيملأه الأكثر تنظيماً وتمويلاً وإستعداداً.
قال شاب ثالث: وَضّح لنا أكثر، أليس وجود سياسة معلنة للشباب معناها توجيههم لأفكار محددة من جيل أكبر منهم قد تكون غير مناسبة للمستقبل؟
قلت: إن وجود رؤية كلية للتعامل مع الشباب، يجب أن تنهض علي أساس خلق الدولة المدنية الحديثة، التي أقر بها دستور البلاد و التي تعيش بدون طوارئ ولا استثناءات ، والتي يتمتع فيها الشباب بتكافؤ الفرص والمساواه بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الدينية أو الفكرية في إطار القانون العادي.
ولابد لنا أن ندرك صعوبة التفاف الشباب حول رؤية تتكلم عن التعددية واحترام الاختلاف وتداول السلطة أمام الرؤي التي تستخدم الجهل والاحتياج في اجتذاب الشباب لأيديولوجيات دينية أو دنيوية في توجه أحادي الفكر ينتهي بالطاعة العمياء وتصلب في المواجهة ويؤدي الي الرجعية .
قال الطبيب الشاب: من تقصد بالشباب؟!
قلت: أنا أقصد ثلاث مراحل، من 14 الي 23 (حيث يتواجد الجميع في المؤسسات التعليميه ويمكن الوصول اليهم وتجميعهم)، وهي مرحلة فيها حِدة ونمو وحركة، وتختلف، عن مرحلة بعد سن 23 سنه حيث يبدأون في التوظف وتحمل المسئوليه ، والمرحلتان يختلفان عن ما يأتي بعد ذلك من السنين والتي يبدأ الشباب في تكوين عائلة وبحث علي خصوصية السكن وهي سنوات نضج تختلف فيها الأولويات . الوصول الي الشباب بعد التخرج تحدي كبير ،والعمل معهم يحتاج لملء كل فراغ إجتماعي وسياسي وديني يتشكل متأثراً بتوازنات النجاح والفشل، و الأمل والإحباط ، والمشاركة والتهميش.. وكلها عوامل يجب علي الدولة التعامل معها بذكاء وخلق مناخ إيجابي يسمح للشباب بأن تميل الكفّة فيها نحو الإعتدال والإيجابية.
قالت شابه نابهة: وما العقبات أمام وضع سياسات لكل مرحلة، تبدو الأمور يسيرة وممكنة ؟
قلت: ان صياغة هذه السياسة أمامها تحديات أهمها هو تأصل ثقافة الإعتماد علي الدولة الأب والأم التي تنفق وتدعم وتوظف وتضمن، وهو ما ترسخ في وجدان النظام الناصري الذي ناسب وقته ، وهو أمر أصبح غير ممكن في كل إقتصاديات العالم الآن ، خصوصاً في الدول التي تنفق أكثر مما تنتج، ولكن تظل الدولة عندنا مُستخدمة لاسلوب تقديم الخدمات كوسيلة لضمان الولاء رغم إعلانها فلسفة تختلف عن ذلك. الدولة هنا وظيفتها الرئيسية بناء القدرات بالتعليم والتدريب وخلق الفرص ، ومناخ جاذب للتوظيف في إطار تكافء للفرص ، ويسر في التعامل مع أجهزة الدولة ،وإتاحة حرية التعبير في إطار الشرعية، حتي لا يضيع الشباب ويتحول من قوة بناء الي قوة هدم..
التحدي الثاني: هو تحدي ثنائي، يتمثل فى قلة عدد الجمعيات الأهلية الشبابية لتكون وعاء تنفيذ هذه السياسات، وعدم ثقة النظام الحاكم في هذه الجمعيات القليلة وتوجس الأمن في أي نشاط لها يحتوي الشباب مهما غيرنا في التشريع..
التحدي الثالث : أن فلسفه تكوين الحكومه في مصر تجعل من الوزارات المختلفة جزراً منعزلة عن بعضها، مما قد يستلزم في وقت ملائم ضم ملفات التعليم والثقافة والإعلام والشباب في بوتقه واحده تتكلم نفس اللغه وتساند بعضها البعض في تحديد هوية الأطفال والشباب والعمل علي غرس القيم الإيجابية فيهم.
التحدي الرابع، والأهم ، هو الإتفاق علي فهم مشترك لما يدعو اليه دستور البلاد ونظامها السياسي من معني الحرية وكيفية بناء الدولة المدنية الحديثة التي يقع الشباب في قلبها.
قال الشاب الذي فتح الحديث: وما هي الرؤية لشباب مصر التي تود مشاركتنا فيها؟
قلت: لقد إجتمعت مع مجموعات مختلفه من الشباب، ومن الأحزاب، ومن باقي المجتمع المدني في إطار حزب الإتحاد و جمعية الحالمون بالغد، وقد خرجنا برؤية تقول:
” إن رؤيتنا هي تمكين شباب البلاد من الوصول الي كامل إمكاناتهم الذهنية والجسدية والروحية ومن خلالهم تمكين مصر من تحقيق رؤيتها التنموية وإيجاد مكانتها التي تستحقها بين شعوب العالم”.
ومن أجل تحقيق هذه الرؤيه تم رصد ستة أهداف عامة، ورصد أولويات محددة داخل كل هدف والسياسات الواجب طرحها وتنفيذها في كل أولوية:
١-خلق قوي منتجة قادرة علي الإضافة المستدامة للتنمية .
٢-تنمية جيل شبابي قوي وصحي مُمَكن تكنولوجياً، معتز بذاته وبتاريخ بلاده، مسئول، يحترم المواطنة، مبدع ومستنير وقادر علي المنافسة الإقليمية والعالمية.
٣- زرع مجموعة من القيم الإيجابية المحددة في وجدان الشباب وأهمها الصدق والأمانة والدقة والعمل في فريق والمبادرة وإحترام الإختلاف وتنمية الرغبة في خدمة المجتمع والإحساس بالانتماء الإيجابي الي الوطن.
٤-تيسير مشاركه الشباب في العمل المدني والجمعيات الأهلية بل وتحفيزهم.
٥-مساندة الشباب المعاقين أو المهددين بمخاطر صحية في الاندماج في المجتمع والتأكيد علي عدم تهميشهم.
٦- تمكين المرأة الشابة و إحترامها لأني أري بوادر تهميش لها من تيار سلفي إخواني يعمل علي إعاقة وجودها المستقل في مجتمع ذكوري النزعة.
قالت الشابه النابهة: وهل توجد للدوله وثيقة استرشادية تتضمن ما تقول يا دكتور؟
قلت: هذا موضوع يجب أن نعطيه مساحة حوار جديدة، وياليت وزارات الشباب والتعليم والثقافة والإعلام يمدونا بما لديهم من رؤي معلنة وموثقة، إن وُجدت، حتي يمكننا مساندتهم كمجتمع مدني. وياليت إدارة الحوار الوطني تأخذ هذا المقال وتعتبره وثيقة مقدمة من حزب الإتحاد ومنظمات مدنية هي الحالمون بالغد وتكاتف والتعليم أولاً والمجلس الوطني للتنافسية ومؤسسة بدراوي للتعليم والتنمية

التعليقات

التعليقات