الجمعة , 26 أبريل 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / المصري اليوم 2010 – النهضة والأمل في الإصلاح 2

المصري اليوم 2010 – النهضة والأمل في الإصلاح 2

 

الإثنين 17-05-2010

كما ذكرت فى الجزء الأول من هذا الطرح فإن مشروع الإصلاح لتحقيق نهضة مصر ليس مجرد أرقام على ورق ولا جمل صمّاء ومعان مجردة.. إن روح الإصلاح يمثلها فى النهاية الإنسان وراء الأفكار، أفراد وجماعات وكيانات يزداد عددها يوما بعد يوم لتصبح فى لحظة فارقة حجما حرجا يزيد من سرعة الإنجاز، ويؤتى نتائج أعمق وأوسع وأكثر تأثيرا.

إن الإصلاح يصبح لا قيمة له، إن ظل حبيس الأوراق بل يمرض ويموت إن لم يخرج إلى الحياة، ويصبح لا معنى له إن كان هدفه فوزاً يحققه فرد أو مؤسسة فى نقاش أو جدل سياسى، أو صوتاً يعلو على صوت آخر فى تنافس حول من يكسب الجماهير.. إن الإصلاح المنشود تظهر قيمته التاريخية والمستقبلية عندما يصبح حقيقة مفعلة، عندما يتم تنفيذه ليظهر أثره على المجتمع.

وأتصور أن هذا لا يمكن تحقيقه بنفس الأفكار ونفس الكيانات التى كانت مسؤولة عن شكل آخر وواقع نود تغييره، فكما تتجدد الأفكار، يجب أن تتجدد الوسائل، وروح الإصلاح فى المرحلة الجديدة تحتاج مع الفكر الجديد إلى آليات جديدة. ولقد قال أينشتاين، العالم العبقرى الفذ فى تاريخ العلم، إن المشكلات العويصة التى نواجهها لا يتأتى حلها بتطبيق نفس النهج الفكرى الذى استخدمناه ساعة إيجاد مثل هذه المشكلات.

وقد تناولت فى مقالتى السابقة أربع دعامات هى الأولى من مجموع اثنتى عشرة دعامة أراها ضرورية لتحقيق نهضة حقيقية فى مصر، حيث كانت الدعامة الأولى: إحداث تغيير ثقافى وسلوكى فى وجدان المجتمع من بوابة التعليم،

والثانية: تخفيف سيطرة الدولة وتدخلها المباشر فى شؤون الأفراد والمؤسسات،

والثالثة: إجراء تغيير هيكلى فى الاقتصاد المصرى بهدف تحفيز النمو، واستدامته وتوازنه،

والرابعة: التخلى بصورة جذرية عن نمط التكدس المكثف للسكان فى مناطق جغرافية معينة..

وأستكمل بالشرح بقية الدعامات بدءاً من الدعامة الخامسة: وهى وجوب التوقف عن التفكير السلبى الذى يدور فى حلقة الفقر الفكرى والاقتصادى، وعلينا كقادة للمجتمع أن نفكر إيجابيا فى رفاهة الأفراد وسعادتهم،

فلا يمكن أن تكون السياسة مجرد وعود أو مشاريع على أوراق فقط، فى النهاية إذا لم تتحقق الرفاهة، وإذا لم يسعد الشعب فقد فشل الساسة وفشلت السياسة. إننا يجب أن ندعم شرعية دولة الرفاهة من خلال إتاحة خدمات عامة عالية الجودة من أجل تحقيق العدالة والكفاءة، وهناك ثمانى خدمات عامة مهمة، تتيح الحق الدستورى للأفراد فى الحصول على فرص متكافئة، والتصدى لفقر القدرات، لابد من توافرها بجودة فى كل الأحوال.

أولاها: التعليم الشامل، عالى الجودة، وهو الأمر الذى لن أملَّ من تكراره والدعوة إليه.

وثانيتها: رعاية صحية متكاملة، لا يعتمد تقديمها على قدرات الفرد المالية ولكن احتياجه من خلال نظام مستدام التمويل، بمعايير جودة عالمية.

وثالثتها: مجموعة متكاملة من الخدمات والتحويلات النقدية للأسر التى تعانى من الفقر المدقع، لمساعدتها على الخروج من دائرة الفقر، والهدف هنا ليس دعم الفقراء، ولكن إخراجهم من دائرة الفقر ليعتمدوا على أنفسهم بعد ذلك.

ورابعتها: مساهمة الدولة فى الضمان الاجتماعى للعاملين الشباب والجدد فى المشروعات الصغيرة، وتدريبهم، لتشجيع اكتساب الصفة الرسمية لهذا النوع من النشاط الاقتصادى المهم، فى إطار تحفيز الدولة وقيادتها للمجتمع.

وخامستها: الانتهاء من تقديم خدمات المياه النقية والصرف الصحى لكل المواطنين، خلال عدد محدد من السنين.

وسادستها: خدمات النقل العام الذى يحترم آدمية الإنسان، والذى يتيح للمواطنين الاستغلال الأمثل لوقتهم، ويحقق عدالة بينهم، ويرفع من حدة السخط والغضب الذى يبدأون به يومهم وينهون به أعمالهم.

وسابعتها: ضمان حد أدنى من الدخل للمواطنين الذين يعملون، يكفل القدرة على المعيشة الكريمة، والاحترام لحقوق الإنسان، فى إطار واقع الأسعار فى السوق.

وثامنتها: كل ما سبق جنبا إلى جنب مع تحقيق ما يتماشى مع الواقع المصرى من أهداف الألفية الثمانية للمواطنين كافة، وبالذات تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وكفالة الاستدامة البيئية، وإقامة شراكة عالمية من أجل التنمية.

إن نجاح أى حكومة فى إدارة المجتمع المصرى لابد أن يرتكز على هذه الخدمات. فمهما زاد الدخل واتسعت مساحات القدرات، فسعادة الأفراد والأسر ترتبط بهذه الخدمات الرئيسية التى تجعل الحياة ممكنة، ويعطى المواطنين قاعدة للأمل فى مستقبل أكثر إشراقا.

أما الدعامة السادسة لتحقيق النهضة، ورفع سقف الأمل فى الإصلاح فهى خلق أدوار جديدة لجميع الأطراف المعنية والفعالة فى إطار اقتناع حقيقى بالمشاركة المجتمعية.

إن مسؤوليات المواطنين كافة التى ندعو إليها يجب أن تقضى على اللامبالاة الحالية لكل المواطنين، وذلك من خلال خلق بيئة تتحقق فيها مبادئ الحرية والديمقراطية واللامركزية وتتاح فيها الاختيارات وتغرس فيها مفاهيم المساءلة والشفافية من خلال أطر قانونية وأدلة للمواطنين ويتم فيها تقدير العمل الجيد بإتاحة الترقى المستند على الجدارة مع بناء نظم ملائمة للحوافز إن الإنسان فى حاجة إلى الحرية ولكن الحرية ليست مجرد نظام، وإنما هى فى الأساس مطلب روحى وقيمة أخلاقية، والإنسان فى حاجة إلى العدل ولكن العدل ليس مجرد مساواة فى الأنصبة، وإنما العدل مثل أعلى تتحقق به الفضيلة ويقوم عليه القانون. إن المشاركة المجتمعية والتطبيق الكامل للقانون، هما مفتاح تطبيق هذه الدعامة..لأنه مرة أخرى، فإن أى تطبيق لا يحترم القانون هو طريق مؤكد للفساد وضياع الفرصة.

إن إيمانى راسخ بوجود تطبيق الديمقراطية فى مصر، ولكن خبرتى السياسية أوضحت لى بجلاء أن هذا التطبيق بدون الالتزام بتحقيق العدالة، حين الاختلاف، يعنى الفوضى العارمة غير الخلاّقة.

الدعامة السابعة هى التطوير والابتكار وريادة الأعمال عن طريق تقدم البحث العلمى، حيث إن جميع التوجهات لرسم السياسات المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأى دولة تستند إلى تحليل علمى للمواقف الراهنة لسياسات العلم والتكنولوجيا يتم الانطلاق منه إلى المستقبل.

فالعلم والتكنولوجيا يمثلان ملتقى لكل السياسات التى تحدد مستقبل كل أمة، وهما فى الوقت ذاته الأداة الفعالة لتحقيقها. ويبدو جليا أن الأمة التى تمتلك قاعدة علمية وتكنولوجية راسخة تكون قادرة على مواجهة التحديات من خلال تسخير كل ما هو جديد من علوم وتكنولوجيات لخدمة التنمية الشاملة.

إننى لا أشك فى تواجد وفاعلية العلماء المصريين الذين لا يمنحهم مناخ التعليم ومؤسساته مساحة الحرية المناسبة للابتكار والإبداع.. فمنهم من يبدعون وينجحون حينما يذهبون فى كل الدنيا، وأرجو أن تكون هذه الأفكار مرة أخرى واحدة من دعائم هذا التوجه بما يحتويه من أفكار وسياسات، ممكنة التطبيق شاركنى فيها علماء وباحثون ومثقفون.. بشكل مباشر وغير مباشر وسبقنى إليها مفكرون مصريون صاغوا توجهاتهم قبلى وأخذت من علمهم، واندمج فى وجدانى الكثير من أفكارهم.

إن مصر تمتلك العديد من المقومات البشرية والعقول الخلاقة فى الداخل والخارج، التى يجب أن تستثمر أحسن استثمار من خلال البحث العلمى الهادف والتطوير المستمر، وأن يكون البحث العلمى أسلوبا ومنهجا لدفع عجلة التنمية وأن تتضافر الجهود البحثية فى قطاعات التعليم والبحث العلمى مع جهود قطاعات الإنتاج والمجتمع المدنى لتحقيق هذا الهدف النبيل.

الدعامة الثامنة هى إصلاح الجهاز الإدارى فى الدولة وإحياء الأخلاقيات والقيم التى ترسخ مبادئ الأمانة والنزاهة ومحاربة الفساد ودعم الشفافية. إن مكافحة الفساد وظيفة اجتماعية تنبع أهميتها من أهمية ظاهرة الفساد الذى تتعدد جوانبه التشخيصية ما بين السياسية منها والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية والقانونية.

وهى ظاهرة جديرة بالدراسة والمواجهة، خاصة من منظور حقوق الإنسان والذى يجدر بالمجتمعات أن تفكر فى آليات مكافحته.

 وتعد الآليات التى تضمن توفر الشفافية وسهولة الإفصاح عن المعلومات والبيانات والإجراءات التى تحول دون تفشى حالات الفساد بل تكافح الحالات الموجودة بالفعل سواء على المستوى العام (مؤسسات الدولة) أو مستوى مؤسسات المجتمع المدنى فى ظل الحريات المدنية والسياسية المكفولة للمواطنين فى الدساتير والتشريعات – هى الحق المكفول بطبيعة الحال فى دستور مصر والذى يؤكد عليه العديد من مواد الدستور المصرى.

إن هناك محاولات جادة نحو مراجعة نظم إدارة الموارد البشرية فى الإدارة الحكومية والأخذ بنظام اللامركزية وتحديث نظم الإدارة المالية والمراجعة وتقييم الأداء العام. وتختلف مستويات التقدم نحو تطبيق الأساليب العصرية فى الإدارة العامة، إلا أن تلك الجهود التى أراها تسير فى الطريق الصحيح تحتاج إلى إرادة سياسية وراءها وإيمان بأهميتها، ومرة أخرى تطبيق متدرج واضح المدى الزمنى لتتخلص مصر من عائق تنموى جبار، هو تخمة الجهاز الإدارى للدولة بالشكل الذى يعوق رفع مستوى تقديم الخدمات للمجتمع ويزيد من فرص الفساد فيه بل يؤدى إلى انتهاك حقوق المواطن فى علاقاته بالدولة.

هذا ونستكمل فى المقالة القادمة الدعامات الأربع الأخرى لتلك الرؤية التى أطرحها طريقا للنهضة، من وازع إيمانى بأهمية الأمل فى الإصلاح، وقناعتى أن التعليم هو المدخل الرئيسى لهذا الإصلاح وهذه النهضة.

 

IMG_4085

التعليقات

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *