الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / رأس بر مصر ذكريات الماضي وجمال الحاضر – حسام بدراوي

رأس بر مصر ذكريات الماضي وجمال الحاضر – حسام بدراوي

رأس بر مصر
ذكريات الماضي وجمال الحاضر
بقلم
حسام بدراوي
في بداية أول يوم من أجازة المدرسة في نهاية العام الدراسي في الخمسينيات من القرن الماضي ، كانت الأسرة تشد الرحال من المنصورة حيث كنا نعيش الي رأس البر مصيفنا ومصيف أغلب أهل المنصورة…
لمن لا يعرف، رأس البر كانت مصيفاً، وأعتقد ما تزال ، من أجمل بقاع مصر لأنها كانت تتمتع بمزية خاصة بها.. كل أماكن المعيشة فيها كانت عششاً من القش و الخوص ، تقام في بداية الصيف وتزال بعد نهايته. كانت مدينة صديقة للبيئة قبل إختراع المسمي، فكانت لا تدخلها السيارات ، ونتحرك فيهل بالدراجات ، والمشي علي القدمين، ووسيلة النقل العام كانت تسمي ” الطفطف؛ ولم أعرف أصل التسمية .
صباحاً نذهب الي الشاطئ بالشماسي ، ونستمتع بالجو الرائع ، ونسبح ونلعب ، ويمر علينا بائعي الأيس كريم بأسمائه المختلفة وحاملي بوكسات الزجاج وداخلها الفريسكا والحلويات الشرقية ، وبائعي العصائر ، والفاكهة الطازجة …… -وعلي الغروب نعود الي العشش ، التي كانت بدون مكيفات ولا ضوضاء ، في حياة بسيطة ولكن جميلة.
خروجة المساء كانت التمشية علي شاطئ النيل الذي يلتقي بالبحر المتوسط عند لسان رأس البر ، نلتقي بالجيران والأصدقاء ، ونأكل فطير رأس البر الشهير ، وسندويتشات الطعمية والفول المدمس ، ويجلس الأهالي علي المقاهي ونروح ونرجع عليهم مع أصدقائنا.
أتذكر الناس حولنا ، ببهجة ، والملابس الصيفية بألوانها الزاهية ، ولم تكن السيدات والبنات يغطين شعرهن كما نري هذه الأيام ، ولم يكن هناك موضوع للمناقشة أساساً حول حجاب المرأة كما يحدث الآن ، بل كان شكل المجتمع مختلف تماما بلا تمييز ، ولا مسائلة عن الملابس. أحيانا كنا نري فتيات يلبسن غطاء للرأس أسمه المنديل أبو أوية ، وغالبا كن العاملات الريفيات اللاتي يعملن في المساعدة المنزلية للأسر المتيسرة ، مصاحبات لأطفالهن و لم يكن هناك عاملات أسيويات ولا أفريقيات كما نري الآن بكثرة في هذه الأسر..
حضرت الي رأس البر هذه المرة بعد خمسين عاماً من آخر زيارة…..ووجدت مدينة جديدة جميلة ، ولكن جمال مختلف. إختفت العشش ما عدا واحدة للذكري ، وواضح أن المدينة أصبحت مكان معيشة لطول العام وليس فترة الطيف فقط. المنازل لها طابع مميز والشوارع مخططة بتوازي يشير الي لمسة معمارية ذات طابع خاص…
زيارتي للإقامة في فندق “شتاينبيرجر اللسان” ، كانت لحضور محاضرة يلقيها صديقي د. أسامة حمدي ، إبن المنصورة ، القادم من جامعة هارفارد ، خبيرا عالمياً في مرض السكر وأستاذاً مميزاً في واحدة من أرقي جامعات العالم. الدعوة كانت من الدكتور إبراهيم صابر رئيس مجلس أمناء جامعة حورس ، والدكتور السعيد عبد الهادي رئيس الجامعة للمشاركة في يوم علمي إجتماعي ثقافي ، بحضور أعضاء هيئة تدريس الجامعة وعدد من الشخصيات العلمية المرموقة وطلبة الجامعة.
نتشارك أنا والدكتور أسامة في عشق وطننا ، و قدرتنا علي رؤية أجمل ما فيه، وفي إهتمامنا بالثقافة والفن ،و بالرسم والموسيقي ، وفي العلم والبحث عن الحقيقة والمعرفة.. صداقتنا عمرها إثني عشر سنة فقط ولكنها صداقة بُنيت وترعرعت وامتدت جذورها بين عائلتينا ، بمودة واحترام ومحبة ورقي، وجمعتنا رغبة في خدمة مصر ، وشبابها ، وأمل في إقتناص فرص تنميتها المستدامة…أنا وهو نري مصر دولة عظمي وتستحق أفضل مما هي فيه، ونؤمن بأن چينات الحضارة كامنة في وجدان شعبها ومن الممكن إستعادة ريادتها بالعلم والمعرفة وصيانة ثروتها البشرية الهائلة.
أعطي د.أسامة محاضرة رائعة عن مرض السكر ، وعلاقته بمحتوي طعامنا ، واسلوب تناوله ، وأشار الي آخر الأبحاث العلمية في هذا المجال، فكان مبدعاً في بساطة شرحه وفتح النور لكيفية القضاء علي هذا المرض العضال..
انبهرت بجامعة حورس التي إستضافتنا ، وببرامجها المتميزة وقادتها الأكاديميين ، ومدرجاتها وأروقتها ومعاملها ، وكأني في أرقي جامعات العالم ، فتحية لمؤسسيها ومجلس أمناءها ورئيسها علي إنجاز علمي يخدم حوالي ١١ الف طالب وطالبة في زمن قياسي وما زال أمامهم الكثير حسب مخططهم ينجزوه ويرفعوا به قدر الجامعة لتكون صانعة حضارة وليست فقط مقدمة خدمة تعليمية .
أعود الي رأس البر ، والي مكان إقامتنا في فندق شتاينبرجر الذي يطل علي التقاء نهر النيل العظيم بالبحر الأبيض المتوسط.لن أتكلم عن المنظر الخلاب ، والجو البديع ، ولكن علي خدمة فندقية فائقة الجودة يقودها الأستاذ هشام سعيد مدير الفندق الذي كانت مودته وذوقه في لقائي شاملة وكاملة و مريحة، ولابد أن شخصيته ، وأسلوب إدارته ، واحترامه للعاملين معه قد إنعكست علي الجميع ، فلم أجد أمامي ومعي سوي كفائة في الأداء ، ورقة في التعامل ، ويسر في قضاء الحاجة ، والكل ودود بابتسامة ورغبة حقيقية في إسعاد ضيوف الفندق.
من مساعد المدير أشرف زناتي ، الي شيف أحمد القص وشيف إبراهيم صبحي، مروراً بمينا فرج مدير مكتب الاستقبال الي العاملين فيه چينا طاهر ، وأحمد ماهر ، ونادين ونانسي ونشوي ومحمد ونعيم، الي العاملين في مطعم الدور السادس المطل علي واحد من أجمل مناظر المدينة والعاملين في مطعم الإفطار بالدور الأرضي ، وكذلك شيف ومدير مطعم الفندق علي الشاطئ والعاملين فيه الي الفنان صلاح المغربي ذو الصوت الجميل الذي أبهجنا بعوده وموسيقاه مساءاً ، ونحن نأكل فطير رأس البر الذي ليس له مثيل..
لابد وقبل أن أنهي مقالي عن رحلتي القصيرة الي رأس بر مصر مروراً بالمنصورة ، حيث جذوري وجذور عائلتي ، الي دمياط أن أشير لواحدة من أنجح محافظين مصر ، الدكتورة منال عوض محافظ دمياط. شخصية مميزة تقود بكفاءة وجدية ، ويحبها الجميع و يهابوها في نفس الوقت ، مرنة في إدارتها بحزم ، وعندها رؤية بوضوح، فتحية لها وللعاملين معها في محافظة صعبة القيادة مركبة التكوين متشعبة الأعمال من حرفيين الي تجار الي صيادين الي رجال أعمال ، وتحتوي علي الميناء الأكثر حركة في البلاد..
برافو جامعة حورس إدارة وأعضاء هيئة تدريس ، وتحية لفندق شتاينبرجر ومديره وكل العاملين فيه ، وأرفع القبعة لمنال عوض ومحافظة دمياط ، ومحبتي لبلدي المنصورة .
كانت رحلة بها ذكريات جميلة رأيت فيها حاضراً قد يصنع مستقبلاً أكثر إشراقاً لوطني من رأس بر مصر..

التعليقات

التعليقات