الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ – الحقيقة والخيال والأمل ‎

علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ – الحقيقة والخيال والأمل ‎

الحقيقة والخيال والأمل
بقلم
حسام بدراوي
معظم الناس يفترضون أنهم إذا تمكنوا من رؤية أو لمس شيء ما، أو تذوقوه أو شموه، هكذا يكون حقيقياً.. فمعرفتهم عن الحقيقة معتمدة على الحواس التقليدية للجسم البشري، وهذا لأن عقلنا يصنع هذا التصور وفق حواسه المدركة ، وبالتالي يتبادر للذهن سؤال يقول : و هل العكس صحيح، هل كل ما لا يمكن الإمساك به أو إدراكه بحواسنا يعتبر غير حقيقي وغير موجود؟
المفارقة هنا أن العكس ليس صحيحاً، فالخيال قد يكون أكثر حقيقة من الواقع في بعض الأحيان، أو على الأقل مساوي له، فما نُطلق عليه “الحقيقة” ليس أكثر من تصورات أو خيالات نعتبرها معقولة ومقبولة.
والآن، هناك توجس مباشر من كل الحقائق التي يتم تقديمها لنا في الإعلام، سواء الطريقة التي يتم تقديمها بها أو طريقة مناقشتها وتحليلها، ولا تتصوروا أن الفصل بين الحقائق والخيال يكون سهلا على المتُلقي.
كنت ادرس كسياسي تصور الحقيقة في نظر الجمهور وكيف قد تكون “مصًّنّعة” بواسطة مجموعه ما ،ومزروعة في عقول الناس.
كل أفلام الخيال العلمي أو الأحلام أو حتى أولئك الذين استخدموا العلم من أجل التوصل إلى نظريات ثم حاولوا إثباتها، كانوا خياليين في لحظة ما، فربما أنه لا يمكن أن يكون هناك واقع أو حقيقة دون أن يسبقها خيال.
قبل ظهور الإنترنت، وقبل اكتشاف الجينيوم وقبل أن نتمكن من استخدام قدرات عقولنا بالشكل الذي يحدث الآن قرأت في مقال للكاتب المصري الشهير عباس العقاد جملة تقول ما معناه : لا شيئ يمر على العقل البشري إلا ويمكن تحقيقه في يوم من الأيام، مادام مرت الفكرة على عقلك فهناك إمكانية لتحقيقها.
أنا كعالم بدأت حياتي البحثية بدراسة المجهر الإليكتروني الماسح في أواخر السبعينيات في جامعة واين ستيت في ولاية مشيجان، في ذلك الوقت كانت رؤية الخليه متاحة ، مكبرة عشرات المرات ولكن ببعدين فقط في الميكروسكوب المعتاد ، أما الرؤية ثلاثية الأبعاد بتكبير مئات الآلاف من المرات بدا وكأنه سحرآ، بعد أن ظل بعيدآ حتي عن الخيال لكن العلم جعلنا نري ما لم يكن يخطر حتي علي البال.
السياسيون الآن أكثر تورطا في الأمر، فبعد ما كانوا يخططون للأحداث أصبح لديهم المعرفة والقدرة على توظيف علوم الاجتماع و التكنولوچيا لإتقآن وصنع وتوقع حركة الجماهير. كان هناك ما يعرف بنظرية تأثير الفراشة، ونظرية سقوط قطع الدومينو، لحساب إحتمالات المستقبل من واقع علمي لتصورات هؤلاء السياسيين ، أما الآن فقد تطورت المعارف وأصبح الواقع يمكن خلقه بدمج الأفكار بالتكنولوچيا الحديثة ، ووسائل التواصل الإجتماعي ، والميديا غير التقليدية ، لتتطور حياة البشر علي الكرة الأرضية خارج نطاق التطور الطبيعي المتدرج للأفكار كما كان يحدث عبر مئات الآلاف من السنين..
يعتبر الوعي حالة عقليّة يتم من خلالها إدراك الواقع والحقائق الّتي تجري من حولنا، وذلك عن طريق اتّصال الإنسان مع المحيط الّذي يعيش فيه، واحتكاكه به ، وكلما إزداد المحصول الفكري الذي ينضوي عليه عقل الإنسان، بالإضافة إلى وجهات النظر المختلفة التي يحتوي عليها هذا العقل والتي تتعلّق بالمفاهيم المختلفة التي تتمحور حول القضايا الحياتيّة والمعيشيّة ،كلما زاد وعيه وإدراكه لنفسه في إطار الموجودات والأحداث حوله.
فماذا لو أصبح كل ذلك مصنوعاً ولا يمثل الحقيقة بل واقع تنتجه ، عقول وذكاء إنساني و إصطناعي ، لمجموعات من البشر ، ويخلقون به واقعاً يبدأ بكونه غير مقبول ويتطور ليرسم وعياً جديداً مقبولا ..
المادة عبارة عن أوتار متذبذبة، طاقة، وإذا لم نكن موجودين لن تكون المادة موجودة.وينطبق ذلك سواء في العلم او الجوانب الاجتماعية ، ولأن الحقيقة تعتمد على ادراك العقل، فإدراك حقيقة كل شيئ مرتبطة ببعضها البعض، وأن كل علم هو ترجمة لخيال في مرحلة ما، وعلم السياسة والاجتماع ليسا مختلفين.
وكان غوستاف ليبون، عالم الاجتماع الفرنسي، والأنثروبولوجيا،قد عمل عام 1895 على دراسة العقل الجمعي للحشد وأوضح وجود كينونة جديدة منبثقة عن اندماج الناس مجتمعين، حيث يكونون معا ينشأ مجال مغناطيسي من الجمع أو لأسباب أخري مثل “التماهي” وهو تماهي السلوك الفردي ليصبح جزءا من التكوين الجمعي، الذي يستولى من كل فرد في الجمع على ارائه ومعتقداته و وقيمه الشخصية.
وتحدث ليبون بالتفصيل عن 3 عمليات رئيسية تؤثر في سلوك الحشد: مجهولية الهوية، والإيحاء ، والعدوى.
مجهولية الهوية تعطي شعور بفقدان للمسؤولية الشخصية ويصبح الشخص أكثر بدائية وعاطفية وبلا قيود،وتمنحه شعور بأنه لا يقهر.
والعدوى تعني انتشار سلوك معين خلال الحشد ( كأعمال الشغب مثل تحطيم النوافذ والقاء الحجارة أو القتل بلا رحمة (مثلما رأينا من المستوطنين الاسرائيليين مع الأطفال الفلسطينيين )، إذ يبادر شخص بالمبادرة فيتبعه آخرون و قد تظهر سلوكيات عكسية مثل التضحية بالمصلحة الشخصية للمصلحة الجماعية أو الغناء وتنظيف الشوارع.
أما الإيحاء فهي الآلية التي يتم من خلالها انتقال العدوى، فالهتافات القوية تجعل اللاوعي عنصري، ويصبح الحشد متجانس ومرن ومتقبل اقتراحات أقوى أعضائه، أؤلئك الذين يقودون المسيرة أو الحشد أو التظاهرة يمكنهم بأصواتهم العالية قيادة وتوجيه المجموعة، وهؤلاء أصبحوا مدربون في الوقت الحاضر، ومسار أي مظاهرة كبيرة يمكن أن يكون محدداً بشكل كبير مسبقا بقيادتهم.
وباستخدام تكنولوجيا اليوم، فقد أصبح جمع الناس والعمل على وجدانهم وإعدادهم علم وفن حيث جعلت الاتصالات غير المحدودة الأمر متاح وقابل للتحقيق.
أصبح الأمر لا يحتاج مظاهرات لخلق الوعي الجمعي لمجموعات من البشر..
ومع تدفق المعلومات عبر الإنترنت، وإتاحة منصات الكترونية ومواقع اليوتيوب لأعداد ضخمة من الفيديوهات التي تحتوي على وقائع مفترضة وأخبار متنوعة، تجعل من كل شخص بطل أو شرير، فالخلط بين الوهم والحقيقة أصبح عميقاً كما لم يكن من قبل، و مع هذا الكم الهائل من التسريبات أصبح الناس يعيدون النظر فيما يرونه بسبب تعرضهم لأخبار متعارضة ومتناقضة، وأحياناً مصّنعة ، وربما أيضا لفقدان الثقة في كل ما يقدم إليهم.
فالصعوبة الآن أصبحت تأكيد الحقيقة وسط الكثير من الخداع، والشائعات، والمزاعم والأكاذيب و الدعايا و الدعايا المضادة، فلا تستطيع ان تعرف ما هي المؤامرة وما هي الصدفة وأين تكمن الحقيقة.
المعركة الآن هي من يستطيع خلق وعياً علي مزاجه لتحقيق أغراضه في السيطرة ورسم وجدان من يملك المال والسلاح؟ . من الأذكي والأكثر مهارة وأعمق وعياً الذي يستطيع قيادة العالم ليحقق أهدافه؟. وأين نحن من ذلك؟
لقد أثبت أينشتاين وآخرين أن الكون بهذه الضخامة متصل ومترابط من خلال علم الفيزياء ، و أكد ماكس بلانك وزملائه حقائق فيزياء الكم علي مستوي دون الخلية ، و أن المادة عبارة عن طاقة في الأصل ، وأن هناك وحدة بنائية واحدة لكل شيئ. وإذا اعتبرنا أن العلم تراكم للابتكارات والاختراعات لإيجاد حلول للبشرية، و أن ما تم خلال السنوات الأخيرة الماضية أكثر من كل ما تم اكتشافة خلال تاريخ الجنس البشري ،وإذا امتلكنا القليل من الحكمة لرؤية المستقبل،يجب أن نستنتج أن الإنسانية لديها كل الفرص لخلق طاقة جديدة، ويمكننا توفير الغذاء، والقضاء على الجهل والفقر، بل بإمتلاك السعادة ، ولكننا للأسف تحت سيطره أشرار ، راغبين في السيطرة باسم الجيوش أو الدين أو القومية . سياسيون قصيروا النظر يشعلون الصراعات والحروب، و يمتلكون خيالاً اسوداً لتحويل العالم إلى ساحة حرب كبيرة ، يصبح فيها الجاني مجنياً عليه ، والمجرم يتكلم باسم الله، وتصبح العنصرية إنتقائية وحقوق الإنسان وهماً.
خيالي يري ، بحكم جيناتي المتفائلة ، وثقافتي ومعرفتي العكس. أري أن أمام البشرية فرصة لخلق الجنة علي الأرض وخيالهم يري الإبادة الجماعية للشعوب لتكون لهم السيطرة والثروة والسلطة.
معركة البشرية لا يجب أن تترك في يد الظلام وعلينا أن نضئ النور ولا نستسلم.
May be an image of 1 person and text

التعليقات

التعليقات