الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / علي مقهي “الحالمون بالغد” ….الدب الأمريكي ….

علي مقهي “الحالمون بالغد” ….الدب الأمريكي ….

علي مقهي “الحالمون بالغد”
….الدب الأمريكي ….
تفاعل الإنسان مع محيطه الطبيعي عبر تاريخه الطويل، ومع تطوّر المنظومات الرمزية والثقافية، أسبغ علي الإنسان الصفات المختلفة على ما يحيط به من حيوانات، بحيث باتت ممثلة له ومعبرة عنه. ومع تبلور شكل الدول والمجتمعات، بحثت عن رموز تجسد ذاتها من خلالها، فتتخذ منها شعارات رسمية، تقوم بتصوير الدولة على النحو الذي ترغب بتقديم نفسها فيه.

الرموز تؤدي أغراضاً أبعد من مجرد الصورة الظاهرية للدولة وإنما هي مرتبطة بروح الشعوب والأقوام والدول
أشهر هذه الرموز هي الدب الروسي هو رمز عالمي للدب البني الأوراسي، وقد أُعتمد شعاراً رسمياً في روسيا منذ مطلع العهد القيصري، في منتصف القرن السادس عشر، بواسطة القيصر “إيفان الرهيب”.كما دخل الدب في الأدب والفلكلور الروسي، من القصص والحكايات الشعبية، إلى الأمثال والأشعار والروايات.
وانتشر استخدام الدب كرمز لروسيا في أطوارها المختلفة (القيصرية، ثم الاتحاد السوفيتي، ثم الاتحادية) في الصحافة والإعلام العالمي، وفي السياق السياسي تحديداً، كما هو “العم سام” بالنسبة للولايات المتحدة، وعادةً ما يستخدم -من قبل الغرب- في إطار توصيف سياسات عدائية لروسيا؛ لما يرتبط بحيوان الدب من صفات العداء والتوحش.

الدبة هي” من مدخل آخر “عند الأطفال والعشاق هي رمز للحب والحرية والبراءة لذا، فإن دمى الدببة تعود لتذكرنا بالحب البريء والنقي الذي نحتاجه في العالم الحالي. الحصول على دبدوب من القطيفة الناعمة يجلب ابتسامة عريضة ودائمة على وجه أي طفل أو عاشق.

الدب في الحقيقة هو حيوان ضخم قليل الذكاء، وتحكي الأسطورة أنه تصادق مع الإنسان ، ولما أراد أن يهش عنه الذباب وهو نائم جاء بحجر كبير والقاه علي رأسه فقتل صديقه وأنهي وجوده . تقول الأسطورة أن الدب كان لا يود قتل صاحبه ولكن بغبائه قضي عليه ويقول المتشككين ، ومن قال لنا أن وحشية الدب التي تشرب بها وجدانه ،هي التي تغلبت علي مشاعر
الصداقة في لحظة فقتل صاحبه، أي أن النية لم تكن صافية تماما!!!
من في الثلاثة نمازج هي روسيا الآن؟؟

أما التنين فقد ظهر في العديد من الأساطير في أرجاء العالم، و تباينت القصص عنه ،إلا أن التنين كحيوان أسطوري في بعض الثقافات الأوروبية والشرقية إنتهي به الأمر ليكون في الوجدان الحديث مرتبطا بالصين .
و للتنين أهمية روحية في الكثير من الأديان والثقافات في أنحاء العالم. فتوجد قصص التنانين في العديد من الثقافات الآسيوية، وفي بعض الثقافات يعتبر ممثلا للقوى الأساسية للطبيعة والدين والكون. كما تربطه مع الحكمة، وكثيرا ما يقال أنه أكثر حكمة من البشر. ويقال عنهم عادة بأنهم يمتلكون شكلا من أشكال القوى السحرية أو القوى الخارقة للطبيعة، وغالبا ما يرتبط بالأمطار والأنهار. وفي بعض الثقافات، تكون التنانين قادرة على الكلام مثل الإنسان.
الثقافة الأوروبية كان للتنين موقعا فيها ، والأساطير تكلمت عنه بل ووصفته ، ولكن في الأغلب كمصدر للشر وليس الحكمة .
كيف نري التنين الصيني في نسخة نهاية الربع الأول من القرن الواحد وعشرين؟؟

أُعتبر النسر في أغلب الثقافات بمثابة ملك السماء، كما هو الأسد في المملكة الحيوانية، وفي كثير من الأساطير أُعتبر بأنه على علاقة مباشرة مع عالم الآلهة، حيث ربطه الإغريق بالإله زيوس، والرومان بالإله جوبيتر، والجرمان بكبير الآلهة “أودين”، وفي مصر الفرعونية أُعتبر رمزاً للإله حورس وهو يختلف عن الصقر الذي يصغره حجماً.

الولايات المتحدة إتخذت رمزها هذا النسر رغم معارضة الرئيس الأمريكى الأسبق بنجامين فرانكلين عام 1784 الذي أعلن إنه محبط من اختيار النسر كرمز للبلاد بدلًا من الديك الرومى، حيث أرسل رسالة منشورة يقول فيها : النسر الأصلع “طباعه سيئة فهو يسرق الطعام من الصقور بدلا من القيام بالصيد بنفسه كما أنه جبان” فيما وصف الديك الرومى بأنه “طائر شجاع و محترم للغاية ومن سكان أمريكا الأصليين “.

أما الأسد.. الحيوان الأفريقي-الآسيوي فقد أصبح رمزاً للإنجليز ، رغم عدم تواجد في القارة الأوروبية، إلا أنّ الأسد هو الشعار الرسمي في الجزر البريطانية، في كل من انجلترا، واسكتلندا، وويلز، ويعود ذلك إلى رمزيته في التراث اليهودي – المسيحي، حيث كان الأسد هو شعار مملكة يهوذا. في العصور الوسطى، كان الملك هنري الأول هو أول ملك انجليزي يتخذ الأسد شعاراً لمملكته، وذلك بعد تتويجه ملكاً على انجلترا عام 1100، في مطلع القرن الثاني عشر، وفي فترة لاحقة،أصبح ريتشارد الأول يلقب بـ “قلب الأسد”. ومع مرور الزمن تم اعتماد الأسد شعاراً دائماً للملكة، مع السعي لربطه بالشخصية الإنجليزية، باعتباره ممثلاً للقوة، والشجاعة، والنبل رغم أنه لا يتواجد في بلادهم أصلاً.

نظرت الي الرموز ودار في ذهني حوار حول حقيقة تمثيلها للدول في هذه المرحلة من التاريخ ، فوجدت أن الولايات المتحدة وقد يشاركها الأسد البريطاني الا قليلا تفوز فوزاً ساحقاً علي الجميع ، وتستحق أن تحظي بكل الشعارت لنفسها ، فتكون النسر الأقرع لا كما تصفه الثقافات كرمز للحرية بل كما وصفه الرئيس فرانكلين ، أفقدته سياسة الحكومات ما قصده الأولون من رمزية السمو، وما قصدوه من إضافة شكلية لغصن الزيتون رمزاً للسلام، ولكن أكدوا علي رمزية وجود السهام التي ترمز للحرب،التي تشنها أقوي دولة في العالم علي باقي دول العالم بنفسها أو بالوساطة أو بدفع الآخرين اليها ….. وفي نفس الوقت تستحق الولايات المتحدة أن تشارك شعار الدب الروسي كما وصفته الأسطورة ، فتقتل أصدقائها بحجة حمايتهم وأن تكون التنين كما وصفته الثقافة الأوروبية إختلافاً عن الثقافة الشرقية ، جباراً ينفث نارًا تسحق الجميع ويتاجر بالسلاح عيني عينك. ..

اللعبة اليوم معقدة جداً بين النسر الأميركي والدب الروسي والتنين الصيني في السيطرة علي مقدرات البشرية ، وإنزوي الأسد البريطاني تحت عباءة النسر الأمريكي محركاً الأحداث كثعلب وليس أسداً.

تتغير الأدوار بتغير الأحوال والمصالح تتصالح ، والتنين والدب يتكاتفان مع احتمالات نشوب حروب عالمية مباشرة بين الكبار التي قد تبدأ بحروب صغري وتمتد لتشمل من يريد ومن لا يريد الحرب .

الأمور تسير هذه الأيام بفعل فاعل من سيّئ إلى أسوأ ، والكل خاسر…
ثنائيات متعارضة بين تدخل امريكا والغرب في شئون البلاد الأخري بحجة الحفاظ علي حقوق الإنسان و تقتل في إطار تدخلها ملايين البشر وتترك ورائها نظم خلقتها أجهزة مخابراتها ، غاية في التطرف والعنف في أفغانستان وأمثالها ، وفوضي عارمة في سوريا وليبيا وأمثالهما ، وإنفراط عقد شعوب كان لديها القدرة لتكون من الدول الرائدة مثل العراق بعد تدمير بنيتها وبناء فرقة دينية بين فئات شعوب العالم الثالث وابرام تحالفات شيطانية لتمكين إسرائيل من قيادة الشرق الأوسط حضارياً وعسكرياً.
ثم الآن بتخليق حرب بين روسيا وأوكرانيا بلا منطق ،أصبحت كل شعوب العالم في مأزق لابد له من مستفيد، والتاريخ يقول لنا أنه ليس في السياسة صدف .

الولايات المتحدة إنسحبت في عهد ترامب من معاهداتها الدولية التي فرضوها للتجارة الحرة عندما كانت في مصلحتهم ، والحفاظ علي البيئة ، وعادت الآن تقول عكس كلامها…
العالم تشُحّ فيه الأنهار ، وتذوب فيه مياه ثلوج القطبين ، مع زيادة في استخدام الفحم الحجري، تجعل الكوكب أكثر تلوّثاً بيئيّاً. العالم يعاني من نقص غير مسبوق في مصادر الطاقة رغم توفرها.
تشهد البشرية تضخّما غير مسبوق ، وركود إقتصادي سيشل بلادآً ، وترتفع تكاليف الحياة اليومية مما سيؤدي الي ثورات وفوضي في بلاد كثيرة..
الولايات المتحدة أضرت بحلفائها ، وتقتل أصدقائها في جنون غير مسبوق في التاريخ، وما زالت تستطيع إيقاف هذا النزيف الإنساني لو كانت النية صافية.
ماذا نفعل في مصر ، وكيف نخرج من مأزق إنساني و إقتصادي وتنموي وبيئي ، وجدنا أنفسنا فيه بفعل فاعل ؟
ما هو شعارنا ورمزنا الذي يجب أن نتمسك به ؟ هذا هو ما يجب أن نتفق عليه ونتكاتف فيه ، وأن يتسع الصدر لننصت لصوت العقل ، فما زلت متفائلا بأطفال وشباب بلدي، ومازلت أري فيهم أملاً عظيما..
الأولوية في المظلة السياسية التي تعتمد علي بنيان عدالة ناجز ، وتنمية إنسانية مستدامة ، ورؤية إقتصادية شفافة…. وكلها أمور نعرفها ، ولكننا لا نطبقها.علينا أن ننتج ونعمل ونزرع ونبني ونطور قدرات شبابنا ونخلق الفرص أمامهم … أعتقد أنه آن الأوان الآن وليس غداً وهذا موضوع مقالي القادم : كيف نواجه تحديات فُرضت علينا وتحديات صنعناها بأيدينا؟؟.

التعليقات

التعليقات