الجمعة , 26 أبريل 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ كن ..فيكون‎

علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ كن ..فيكون‎

كن ..فيكون ‏
بقلم حسام بدراوي
تعلمنا ونحن صغار وحدات القياس وفهمناها ودخلت في عقولنا وشكلت نظرتنا للمسافات و للزمن .‏
الكيلومتر والمتر و السنتيمتر والملي متر وهي ماكان ذهننا يستوعبه. ‏
كذلك في الأوزان ، الطن والكيلو جرام والجرام وهكذا. ‏
اما في الزمن فكان قياسنا هو الساعة والدقيقة والثانية.‏
وعندما تحريت الدقة فإن السنة الشمسية‎ ‎مثلاً يتم إحتساب عدد أيامها من خلال دوران الأرض حول الشمس، ‏فالدورة الواحدة تعني إتمام سنة شمسية وتستغرق بالتحديد ‏‎365 ‎يوماً و‎ 5 ‎ساعات و ‏‎48 ‎دقيقة و ‏‎46 ‎ثانية……… أي ما يعادل ‏‎365.2435 ‎يوماً.‏
وعلي الرغم من أن السنة الكبيسة وُجدت كحل لمشكلة التوافق الزمني بين التقويم الميلادي والدورة الفلكية ‏للأرض حول الشمس ، إلا أنها ما زالت حلاً ليس مثالياً ، بالنظر الي أن المبدأ الذي تقوم عليه هذه السنة يعتمد ‏علي إضافة ‏‎24 ‎ساعة كاملة كل ‏‎4 ‎سنوات ،إلا أن ذلك ما زال يعني أن السنة التقويمية تتجاوز السنة الشمسية ‏بمقدار ‏‎11 ‎دقيقة و ‏‎14 ‎ثانية..‏
‏ وينتج عن تراكم هذه المدة الزمنية يوم إضافي جديد بعد ‏‎128 ‎سنة تقويمية، ويستتبع ذلك إلغاء السنة الكبيسة ‏مرة واحده كل ‏‎400 ‎عام، وهو ما يساعد علي تقليص الفارق الزمني الذي يحدث بمقدار نصف دقيقة لصالح ‏السنة التقويمية، وهو ما يعني أن السنة الشمسية ستتأخر عن السنة التقويمية بمقدار يوم واحد كامل بعد‎3300 ‎سنة..‏
ولو لم تُقيد البشرية نفسها بالحساب الدقيق ، وبالتعديلات التصحيحية منذ نحو ‏‎750 ‎عاما ،لكان التقويم الميلادي ‏سيتوقف عن التطابق مع المواسم في نهاية المطاف ولجاء الشتاء علي سبيل المثال في يونيو..‏
وتعرف ‎السنة‎ ‎القمرية‎ ‎بأنها‎ ‎المدة‎ ‎التي‎ ‎يحتاجها‎ ‎القمر‎ ‎ليتم‎ 12 ‎دورة،‎ ‎كل‎ ‎دورة‎ ‎تكون‎ ‎شهراً‎ ‎قمرياً واحداً والسنة‎ ‎القمرية‎ 354 ‎يومًا‎ و 8 ‎ساعة،‎ و 48 ‎دقيقة‎ و 34 ‎ثواني‎ (354.36707 ‎أيام‎)‎
نفس الأمر الذي اجراه العلماء مع السنة الشمسية أجروه مع السنة القمرية حتي يتم ضبط السنة وأيامها مع علم ‏الفلك ولكن اسلافنا العرب بعد وفاة الرسول رفضوا احداث التعديلات الحسابية فيها مما جعلها غير متوافقة مع ‏حركة الفصول ، فأصبح شهر ربيع مثلا والذي موعده هو الربيع كما يقول مسماه يأتي مرة في الشتاء ومرة في ‏الصيف. ‏
ولهذا تفصيل دقيق إرتضي المسلمون أن يهملوه ويمنعون حسابه بلا عقل ولا تدبر فاختلت الشهور القمرية ‏واصبح التقويم بلا منفعة للإنسان. ‏
الدقة في الحساب ، والعلم إنتقل من السنين والشهور والأيام ، الي الساعات والدقائق والثواني، والآن تنتقل ‏البشرية الي كسور الثواني في عالم ما هو أصغر من الذرة ومكوناتها ، وتم اكتشاف حقائق تفوق الخيال ولكن لم ‏يتم تقريبها الي الذهن البشري بنفس بساطة مقاييس استوعبها البشر عبر التاريخ. ‏
اكتشف اينشتين علاقة السرعة بالحجم وقال ببساطة ان الزمن نسبي وغير ثابت، وان المادة يقل حجمها بزيادة ‏سرعتها وأنت اذا تحركت بسرعة الضوء ( وهي أقصي سرعة ممكنه) ينعدم وجود المادة الكمي. ‏
وأعود الي الي قياس الزمن الذي بدأته علي مستوي حركة الأرض والشمس والكواكب، وأنفذ الي عالم الكاونتم ‏وحركة جسيمات ما داخل الذرة. ‏
كلنا يعرف الثانية ولكن أغلبنا لا يستوعب وحدة زمن أقل من الثانية؟؟؟
نعم
لقد عرف الإنسان كل ذلك من خلال خياله وما إخترعه من أدوات تراقب حركة الكواكب والنجوم ، ونمو ‏المعرفة بالحساب و الرياضيات..‏
إذن يحتاج الأمر تحقيق وجود الأشياء بالنظر إليها ثم بمراقبة حركتها ، مما يستدعي قياس زمني لسرعتها ‏بالنسبة الي بعض..‏
وبالإنتقال الي دراسة الذرة ومكوناتها ، كان لابد لتأكيد النظريات الرؤية وقياس الزمن والسرعات علي مستوي ‏لم يخطر علي بال البشر سابقاً
ولو علم من حكموا علي جاليليو بالموت لمجرد أنه قال أن الأرض ليست مركز الكون وأنها تدور حول الشمس ، ‏لو قيل لهم ما نعلمه الآن من حركة الإلكترونات والبروتونات حول نواة الذرة ، وقدرتنا علي قياس سرعتها بل ‏وتصويرها، لإعتبروا القائلين مجانين بالإضافة الي تكفيرهم.. ‏
العمل البحثي الذي قام به د. زويل منذ اكثر من عشرين سنة ، استطاع من خلاله تصوير حركات جزيئات ‏المواد داخل الذرة وهي تتحرك (لا يوجد في الكون كله سكون ) إحتاج الي قياس ما صار يعرف بالفمتو ثانية، ‏وأصبحت الكاميرا التي تصور هذ تعرف بكاميرة الفمتو ثانية. ‏
ولكي اقرب الأمر الي الذهن كما قرأت ثم شرح لي صديقي د. احمد الجيوشي ببساطة ، فتعالوا نتخيل
اننا نريد تصوير فيل لا يتحرك في حديقة الحيوان….فسيحتاج ذلك الي كاميرا عادية تفتح عدستها وتغلق لالتقاط ‏الصورة كما هو معتاد. الفيل لا يتحرك أو حركته بطيئة جدا ابطأ من سرعة فتح وغلق عدسة الكاميرا اثناء ‏التقاط الصورة لذة تظهر صورته .‏
اما اذا كان المطلوب تصوير فأر يجري بسرعة وليس فيلا ساكنا، فهنا لابد ان يتوفر أمرين: اولا لابد ان تعمل ‏زووم لكي تستطيع تصوير الفأر بحجمه الصغير ولابد ان تكون سرعة التقاط الصورة اسرع من سرعة الفأر ‏وهو يجري. ‏
كلام سهل ومنطقي ..‏
زويل وفريقه اخترعوا كاميرا يمكنها أن تعمل زووم لكي تستطيع تصوير ما لا يشغل من الفراغ سوي جزء ‏واحد من مليار جزء من المتر أو ما يساوي جزء من مليون جزء من المليمتر وهو ما أصبح يسمي نانومتر.‏
مرة أخري أذكر القارئ الي قياس المسافات الذي تطور في الذهن ، الي أن وصل أجزاء المليمتر..الي النانومتر ‏وهو جزء من مليون جزء من المليمتر..وازداد العلم فعرفنا أن النانومتر مقسم الي بيكومترات وهو مقياس أصغر ‏ألف مرة من النانومتر. ‏
ولكن هذا الذي يتم تصويره يتحرك داخل الذرة فلابد لعدسة الكاميرا لكي تلتقطه ان تفتح وتغلق بسرعة حركة ‏ما يتم تصويره، وهو ما أصبح يسمي فيمتو ثانية والا فإن هذا الشئ سيمر أمام الكاميرا ولا تلتقطه.‏
جاء الآن عالم آخر مصري أيضا (في جامعة أمريكية أيضا ) ، وفريق آخر من الباحثين ونزل بزووم الكاميرا ‏‏١٠٠٠ مرة أقرب من زووم كاميرة زويل وبالتالي يستطيع رؤية الالكترون داخل الذرة ، ولأن الالكترون يتحرك ‏داخل الذرة بسرعة الضوء تقريباً ، فلكي يستطيع تصوير حركة الالكترون فلابد من تفتح وتغلق عدسة الكاميرا ‏في زمن أقل من الفيمتو ثانية. ‏
‏( سرعة الالكترون تعادل سرعة الضوء أو ٣٠٠ بيكو متر في الأتو ثانيه الواحدة) والأتو ثانية هي وحدة زمن ‏تعادل ١ وامامه ١٨ صفر ..‏
يعني لو قسمنا الثانية (التي نعرفها ) الي ١ وامامه ١٨ صفر جزء ، فالأتو ثانيه تعادل جزء واحد. ‏
كل ذلك يحدث داخل الذرات في دائرة قطرها ١ بيكومتر الذي هو أصغر من النانو متر الف مرة يعني ما يعادل ‏جزء من تريليون ( مليون مليون) جزء من المتر الذي يستوعب طوله ذهننا. ‏
وبالتالي فإن الالكترون يقطع مسافة البيكومتر في زمن يقل الف مرة عن الفيمتو ثانية وهو الأتوثانية وبالتالي ‏فلابد للكاميرا التي اخترعها د. محمد حسن وفريقه أن تكون سرعتها أسرع ١٠٠٠ مرة من سرعة كاميرة زويل ‏، يعني سرعتها تكون أسرع من زمن الأتوثانية اللي هي تعادل ١ علي مليار مليار من الثانية الواحدة. ‏
ثم في عام ‏‎2016 ‎نجحت مجموعة من العلماء في قياس أقصر وحدة زمنية على الإطلاق، وذلك بقياس مقدار ‏الوقت الذي يستغرقه جسيم لعبور جزيء الهيدروجين‎ ‎، ويُطلق على الوحدة اسم ‏‎”‎زيبتوثانية‎” ‎وهو جزء من ‏تريليون جزء من المليار من الثانية، أي علامة عشرية متبوعة بـ ‏‎20 ‎صفراً وواحد.‏
‎ ‎إن الوقت الذي تستغرقه الروابط الكيميائية في الانكسار والتشكل يُقاس بالفيمتو ثانية، ولكن زيبتو ثانية هو ‏القياس المستخدم لقياس الضوء أثناء انتقاله عبر جزيء هيدروجين واحد.‏
وتوصل الفيزيائي ‏‎”‎ريتشارد دورنر‎” ‎وفريقه من جامعة جوته في ألمانيا، من خلال استخدام كاشف جسيمات ‏حساس للغاية يمكنه تسجيل تفاعلات ذرية وجزيئية سريعة للغاية، إلى أن ‏‎247 ‎زبتوثانية هو الوقت الذي ‏يستغرقه الضوء للانتقال داخل جزيء الهيدروجين.‏
لكي نستوعب ذلك لابد لنا من الخيال ، ولابد ان نتصور أيضا أن هناك وحدة لتركيب الكون أي الطوبة الرئيسية ‏لبناء المادة ، أي مادة ،وهي ما يسمي بالكوارك. ‏
ميكانيكا الكم‎ ‎تبحث في عالم الظواهر فائقة الصغر وفائقة السرعة ، و هي مجموعة من النظريات الفيزيائية ‏تفسر الظواهر على مستوى الذرة والجسيمات دون الذرية وقد دمجت بين الخاصية الجسيمية والخاصية الموجية ‏ليظهر مصطلح ازدواجية الموجة -الجسيم.‏
العلم واالفيزياء الكلاسيكية لهم دلائل معلومة هَدَمها إكتشاف فيزياء الكوانتم. كل مصادر الاستدلال العقلية ، ‏ومبدأ السببية، أي أن لكل حَدث ، مُحدث وعدم التناقض في العلم تسقطه دراسة فيزياء الكم وتلغي كل المبادئ ‏التي أقرها العلم .‏
إن المضمون الفكري لما يحدث علي مستوي الإلكترون البروتون والكواركات يتحدي المألوف ويثير القلق في ‏الأذهان.‏
ثبت أن كل جسيم داخل الذرة هو جسيم وموجة في نفس الوقت مما عُرف بازدواج الوجود. ‏
الكل يشترك في الأصل…وما الإنسان الا جرم صغير، وفيه ينطوي العالم الأكبر.‏
الإنسان هو الكتاب الجامع لكل موجودات الخلق، ففيه الجسد والروح، المادة والطاقة، الحياة والموت ، الديمومة ‏والزمان….كله في وقت واحد.‏
الإنسان يجمع كل التناقضات سويا ، هو المعجزة الكونية الكبري. ‏
إن نظريات الفيزياء الكميه وما تعنيه، رغم أنها ما تزال قاصرة عن تفسير الوعي والروح والنفس ، لكنها تعني ‏أن العلم قادم قادم ليفتح آفاق جديدة للمعرفة ولا يجعل الإنسان أكثر غرورا بنفسه ولكن يدفعه ليكون أكثر ‏تواضعا.‏
والمذهل ان وحدة البناء للمادة تتواجد احيانا كطاقة واحيانا كمادة وهو الأمر المدهش، فنحن والارض والقمر ‏والشمس وكل الكون نتواجد ولا نتواجد .‏
في الأصل المادة هي طاقة تتواجد بالشكل الذي تراه حواسنا حسب ذبذبات هذه الكواركات ، فكأن الكون والخلق ‏كله ذبذبات للطاقة .‏
ولكي أقرب فهمي غير المحترف للقارئ ، فتخيل أن حروف اللغة ٢٨ حرف ولكن يمكن ان ينتج منها كل هذا ‏المكتوب من الشعر والأدب عبر التاريخ …..وكل الموسيقي بكل اشكالها ونغماتهما تنتج من سلم موسيقي بسيط، ‏وكل مادة الكون تنتج من ذبذبات الكواركات وكأن الله عز وجل يعزف سيمفونية بتحريكه هذه الذبذبات كيفما ‏أراد. ‏
إذا فإن فهمي البسيط لجملة ” كن فيكون” أصبح واضحاً في الذهن لقدرة الخالق علي تغيير النغمة عندما يريد. ‏
May be an image of 1 person and text

التعليقات

التعليقات