د. حسام بدراوي في المؤتمر العلمي السنوي لكلية طب قصر العيني: “دعونا نُعيد التفكير في هجرة العقول”
شارك الأستاذ الدكتور حسام بدراوي، المفكر والطبيب والسياسي المعروف، في فعاليات المؤتمر العلمي السنوي لكلية طب قصر العيني – جامعة القاهرة، تحت شعار “نحو مجتمع طبي مبتكر”، والذي أقيم خلال الفترة من 26 إلى 29 مايو 2025، برعاية معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وإشراف أ.د. سامي عبد الصادق، رئيس جامعة القاهرة، وعميد كلية الطب أ.د. حسام صلاح.
وقد شارك الدكتور بدراوي في جلسة متميزة بعنوان “Brain Drain Vs Brain Circulation”، عُقدت يوم الأربعاء 28 مايو، من الساعة 12 إلى 1 ظهرًا، إلى جانب نخبة من الشخصيات الأكاديمية ومنهم د.اشرف حاتم ود.هشام المنياوي ود.شريف حقي ويدير الجلسة د.عمر عزام ، وكان هذا بحضور واسع من أساتذة الطب والطلبة والمهتمين بقضايا التنمية الصحية.
وجاء نص كلمته كما يلي:
إعادة التفكير في هجرة العقول في عالم طبي متشابك دوليًا
أولًا: الافتتاح
سيداتي وسادتي،
لطالما تحدثنا عن هجرة العقول — عن فقدان أفضل ما لدينا من الأطباء والعلماء والمبدعين إلى الخارج. مصطلح يحمل في طياته الألم والإحباط.
لكن في هذا العالم المعولم، أدعوكم لإعادة التفكير. ماذا لو كانت الهجرة ليست خسارة، بل دورة؟ ماذا لو عاد من يسافرون، أو تواصلوا، أو دعمونا من بعيد؟
السؤال لم يعد: هل يهاجرون؟ بل: هل يعودون؟ هل يتصلون؟ هل يُحدثون فرقًا؟
ثانيًا: نقص الأطباء — عالميًا ومحليًا
تتوقع منظمة الصحة العالمية نقصًا عالميًا يتجاوز 11 مليون عامل صحي بحلول عام 2030، والبلدان النامية هي الأكثر تضررًا.
في مصر، لدينا 8.6 طبيبًا لكل 10,000 نسمة، بينما المتوسط العالمي 23. من بين 220,000 طبيبًا مسجلًا، هناك أكثر من 120,000 يعملون بالخارج.
في عام 2023 وحده، غادر 7,000 طبيب مصري.
لماذا؟ تدني الرواتب. بيئة العمل الصعبة. غياب البحث. في الخارج: إمكانيات أفضل، تدريب أحدث، مستقبل أوسع.
ثالثًا: دوران العقول – نهج أذكى
لننظر إلى الهند والصين. عاد المهاجرون إليهما لتأسيس جامعات، ومراكز أبحاث، وشركات تكنولوجيا.
وفي مصر؟ لدينا أطباء في الخارج يقدمون الكثير:
عبر الطب عن بُعد
من خلال تدريب الأطباء الجدد، كما حدث في جائحة كورونا
ومن خلال المشورة السياسية والمشاركة في تطوير نظم الصحة
هذا ما نسميه “دوران العقول” — حركة تبادل معرفي وإنساني وعلمي تعود بالنفع على الجميع.
رابعًا: تحويلات المعرفة – مورد غير مادي –
حين نذكر التحويلات، نفكر بالمال. لكن هناك نوعًا آخر — قد يكون أكثر قيمة: تحويلات المعرفة.
أطباؤنا في الخارج لا يرسلون أموالًا فقط، بل أنظمة تفكير، أخلاقيات مهنية، ونماذج تعليمية.
إنهم لا يبنون عيادات فقط — بل يبنون الإنسان نفسه.
خامسًا: دور المؤسسات – أطباء عالميون بجذور محلية
يجب أن تعيد كليات الطب النظر في رسالتها: لا تخرج أطباء محليين فقط، بل أطباء عالميين متصلين بجذورهم.
كيف؟
عبر برامج الأساتذة الزائرين
من خلال أبحاث مشتركة مع مؤسسات عالمية
ومن خلال التبادل الافتراضي بين الطلبة والأساتذة
وهنا يأتي دور الدولة في توفير التمويل، وتكريم من يربطون العلم بالوطن.
سادسًا: من المنع إلى الدوران الذكي
بدلًا من منع الهجرة، فلنسأل: ما الذي يجعل الطبيب يختار البقاء أو العودة أو المساهمة من الخارج؟
فلسفتي بسيطة: اجذب، لا تقيد.
حسِّن البنية التحتية
قدِّم رواتب تنافسية
أوجد برامج شهادات مزدوجة من داخل مصر
وشجِّع الشراكات الذكية:
برامج تبادل وتدريب مع دول العالم
زمالات في الخارج تليها فرص للعودة
“حين يُصمم دوران العقول بعقلانية، يصبح استثمارًا لا خسارة.”
سابعًا: الفائدة الوطنية والدبلوماسية
مصر تكتسب نفوذًا دبلوماسيًا عبر توفير الكفاءات الصحية
تحويلات المعرفة تغذي الابتكار وتطور القطاع الصحي
منظومة الدوران الناجحة تجذب الكفاءات العائدة والأجانب الباحثين عن بيئة ديناميكية
ثامنًا: دعوة للتحرك
على وزارتي الصحة والتعليم تمويل البنية التحتية وبرامج الشهادات الدولية
على الجامعات توقيع 3 شراكات دولية خلال عام
على النقابات المهنية إطلاق برامج إرشاد وعودة للمغتربين
تاسعًا: الخاتمة
“العقل الذي يهاجر… لا يزال قادرًا على خدمة قلب الوطن.”
فلنتعامل مع الهجرة بذكاء، ولنجعلها فرصة للبناء، لا سببًا للخوف أو الندم.
ثم اختتم الدكتور بدراوي كلمته التي حملت بداخلها عمق المعرفة والرؤية الإصلاحية الواسعة وسط تأييد وتقدير من الحاضرين