الخميس , 9 مايو 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / علي مقهي “الحالمون بالغد” “الأتمتة” و “الرقمنة” و “الأنسنة” و مستقبل التعليم

علي مقهي “الحالمون بالغد” “الأتمتة” و “الرقمنة” و “الأنسنة” و مستقبل التعليم

علي مقهي “الحالمون بالغد”

“الأتمتة” و “الرقمنة” و “الأنسنة” و مستقبل التعليم

أعتقد أن أهم المهارات التي يحتاجها الشباب للعمل الآن وفي المستقبل هي القدره علي العمل الجماعي، ومهارات التواصل والاتصال والمرونة و التكيف مع التغيير ، يضاف اليهم، المهارات الرقمية و استخدام الحاسب الآلي، ومعرفة لغة ثانية بجانب اللغة العربية. ويظن البعض أن هذا خارج نطاق التخصصات مثل الطب والهندسة والمحاماة والكليات العسكرية والكليات العملية كما علق واحد من الشباب
فقلت له : لا يا إبني ، هذه المهارات يحتاجها الطبيب والمهندس والمحامى والضابط والمدرس وكافة التخصصات، فلا مكان في العمل اليوم وقطعاً في المستقبل لمن لا يملكها.
قالت شابة أخري :يقال ان عدد كبير من وظائف اليوم ستختفي وتظهر وظائف جديدة، مما سيُصَعِب الأمر علي طالبي العمل أكثر مما هو الآن ؟.
قلت: بلغة الأرقام، قد يكون هذا حقيقي، فهناك فعلاً وظائف ستختفي خلال الخمس سنوات المقبلة، وأغلب هذه الوظائف هي التي يغلب عليها النمط التكراري ، إلا أنه في المقابل سوف تُخلق آلاف أكثر من الوظائف الجديدة وهذا يعني توسيع شريحة الوظائف المتاحة وليس نقصانها.
فمن لا يستطع العمل كسائق أجرة في السابق من الممكن أن يعمل الآن كسائق أوبر ومهمة السائق ستتطور ليكون شبه سكرتارية متحركة ، ويصبح أكثر من مجرد سائق وسيحتاج مهارات جديدة، ومن لم يستطع العمل في خدمة العملاء في مكان العمل أصبح بإمكانه أن يعمل بالوظيفة نفسها من منزله. بل أن أطباء اليوم عليهم العمل في فريق ، ويتوجهون الي تخصص الرعاية الصحية الأولية التي بدونها لن ينجح نظام التأمين الصحي الجديد الذي سيخصص كل عدد من السكان لمجموعة من أطباء الرعاية الأولية الذين لابد لهم من مهارات رقمية ، وتواصل ، ليؤدوا وظيفة سيحتاجها المستقبل بشكل جديد.
بعض الوظائف ستختفي مثل وظيفة إدخال المعلومات والبيانات، لأنه بنمو الإدارة الرقمية سيتم ذلك عن طريق “الأتمتة” وجمع المعلومات عبر البيانات الضخمة
(Big Data)

إن التخصصات ستتبدل تماماً كلما تغيَّرت منصات العمل ، وأذكر هنا تخصصات لم نعرفها من قبل مثل مطوّري الواقع الافتراضي ومهندسي السيارة ذات القيادة الذاتية وأخصائي الزراعة الرأسية في المدن ، ووظائف التحول الأخضر ، وغيرهم مثل محللي البيانات،ومحللي نظم الكمبيوتر،وأخصائيوا أمن المعلومات، وصناع ومحللي الأكواد،والتسويق الإلكتروني ومصممي البرمجيات .
للأسف فإن أغلب التخصصات الجديدة لا نجد لها مناهج تعليمية وبرامج تدريبية فى الجامعات بل تقوم بإعداد الشباب لها الشركات الكبري وليس مؤسسات التعليم التقليدي.
إن جوهر فن المهنة في المحاماة والطب قد يستمر إلا أن مواصفات طبيب ومحامي المستقبل تتغير الآن وستتغير غداً بحكم إتاحة المعارف والبدائل والتغير النوعي لطالبي الخدمة والمراجعة الفورية للقرارات المهنية وإمكانية مقارنتها بالمعايير العالمية..

كذلك فقد اصبح التعليم والتدريب عن بعد واقعاً ،من دون الحاجة لشراء أراضي أو استئجار مباني وإنفاق المليارات ، وتظهر وستظهر الشهادات المتناهية الصغر
(Nano degrees) التي لا تُكلف الراغبين موارد كبيرة، ودبلومات مهنية لرفع مستوي أداء الموظفين طالما يتمتع طلابها بالمهارات اللازمة لها.
التعليم الفني والتدريب المهني يتطور ليصبح صاحب هذه المهن مكافئ في حدود متعارف عليها في المهارات التي نتكلم عنها ليرتقي بالمهنة ويزداد إحترامه في المجتمع بل وموارده .

نظر الي شاب وقال: هناك بعض الكلمات التي أصبحت ترددها وقد لا يعرف معناها الكثيرين ، فماذا تقصد مثلاً بالأتمتة و الرقمنة ؟
قلت : أنا لم أكن أعرف مصطلح “الأَتْمَتَةٌ ” الا بعد قرائتي لعدد من التقارير حول مستقبل الوظائف والعمل في المستقبل وهو مصطلح مستحدث و مُعَرَّب يعني التَشْغِيلٌ الآلِيٌّ و يطلق على كل شيء يعمل ذاتيًا بدون تدخل بشري. ويمكن وصف “الأتمتة” بأنها استخدام الكمبيوتر والأجهزة المبنية على المعالجات أو المتحكمات والبرمجيات في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية من أجل تأمين سير الإجراءات والأعمال بشكل آلي دقيق وسليم وبأقل خطأ ممكن. بإختصار “الأتمتة” هي فن جعل الإجراءات والآلات تسير وتعمل بشكل تلقائي بكفاءة أكبر وزمن أقل وبدون تدخل إنساني.
أما “الرقمنة” فهي تحويل الاتصال الكتابي والشفوي و السماعي و المرئي إلى رسائل إلكترونية رقمية يفهمها الجميع ويمكن حفظها و إسترجاعها بسرعة وبيسر . يمكننا القول أن كل شيء في العالم القديم كان يتطلب مستندًا مكتوبًا ليبقي ، وإلا اندثر ولكن نتيجة الرقمنة الآن هي كفاءة أعلى في العمل والفن والبحث والتعليم، بتكاليف أقل وتحكم أفضل وإتاحة غير مسبوقة مما يضع أجيال أطفالنا وشبابنا أمام فرص لم تتاح لآبائنا وجدودنا .
وأعود الي سؤالكم عن الجامعات ومنح الشهادات ، فالجامعات بشكلها التقليدي عليها أن تتغير ، لأن سوق العمل يسبقها في التطوير و الابتكار وإلا ستفقد وظيفتها في صنع المستقبل.
أن التعليم العالي لا ينبغي أن نفكر فيه كرد فعل لحالة سوق العمل الحالي، أو نسب البطالة أو حال مهنة من المهن في لحظة زمنية بعينها..إلا أنه سيظل هذا النوع من التعليم الذي يرسم الأسس لملامح المستقبل ، ويبنى البشر القادرين على صنع التنمية وليس ملء فراغ الاحتياجات فقط.. هو التعليم الذي يبنى الإنسان صانع الفرصة و محققها وليس فقط المستفيد منها ، هو التعليم الذي يبني الشخصية السوية التي تستخدم معطيات العصر لصالح الإنسانية وليس تدميرها.

لذلك فإن السؤال الأهم هو ماذا نعتبر الجامعات في رؤيتنا ، بناة حضارة أم مجرد مقدمي خدمات، لأن ذلك هو ما سيخلق الفارق.

من وجهة نظري ، تحتاج الجامعات إلى معرفة أسباب التغير أو أسباب التمسك بما يظنه العلم والمجتمع ثوابت ، ولكي يتسنى لها القيام بهذا ، فعليها أن تتشكك في ما تم اكتسابه وتختبر أيضاً أنماط التفكير المختلفة الموجودة في كل مجتمع ، كما أن على الجامعة أن تقوم بالمخاطرة بتقديم كل ما هو غير متوقع ولا تستسهل بقاء الأمر كما هو عليه

قال شاب : هل يعني كلامك أن الجامعات تجسد عمليات التغيير في المجتمع… هذا ما لا نراه يادكتور لأننا نري الجامعات تلهث وراء الصناعات والتكنولوجيا الواردة من سوق العمل وليس العكس!

قلت : الأصل أن دورها في المجتمع هو ابتكار الجديد واستيعابه، ونقل وصنع المعرفة، وتحقيق التناغم والتكيف ما بين المعرفة وكيفية الحصول عليها واستخدامها في وقتنا الحاضر، ومتطلبات المستقبل. وبدون البعد الأكاديمي البحثي والقيم الإنسانية للمجتمع البحثي فإن التقدم الذي ننشده قد ينقلب الي فوضي…بإيجاز شديد، أننا نواجه بلا شك تغيرات سريعة جدا في وسط عالم به طفرات اقتصادية ، واجتماعية ، وثقافية ، وعلمية ، وتكنولوجية ، و التحدي الذي يواجه النظم التعليمية كبير ،وإذا كان معدل التغيير داخل أي مؤسسة تعليمية أبطأ من معدل التغيير الحاصل خارجها فعلينا العمل وبسرعة بأفكار ابتكارية ، وليس بتكرار فعل ما تعودنا عليه وإلا سنحصل علي نفس النتائج..

النظام التعليمي الذي يتجاهل المستجدات والتغييرات التي تشكل الغد ينهي علاقته أو ارتباطه بحياة الطلاب شيئا فشيئا، ولهذا يجب إعادة صياغة مؤسساتنا التعليمية منذ ما قبل المدرسة إلى الجامعة لنعد طلابنا الإعداد المناسب للمستقبل وليس للماضي.

الأمر يستوجب من المؤسسات الأكاديمية التي تأمل في أن تظل قادرة على المنافسة، أن تكون سبَّاقة في تحديث برامجها الأكاديمية ووسائلها ، والتعاون مع الشركات والصناعات التي تقوم بالإبتكار في البحث والتطوير ، وتضمين تقنيات الواقع الافتراضي في برامجها، والسماح بهذا النوع من التعليم في الظهور و الإنتشار، لتوفير بيئة تساعد في تحديث المهارات وتسهيل عملية التحوُّل الوظيفي للشباب و أنا لا أنسي, هنا, أهمية أَنْسَنة التعليم رغم دعوتي لرقمنته..
إبتسم واحد من الشباب وقال ، هذا أيضاً جديد رغم سهولة فهمة، حتي لا تضيع إنسانيتنا وسط محاولات الرقمنة والأتمتة.
قلت : يا شباب ، كل ما يتخيله العقل سيحدث، وإلا ما خطر علي البال بادئ ذي بدء، ودورة الحياة البيولوچية التي كانت تُحسب بآلاف وملايين السنين ، عمرها الآن أقل من سنتين.. المهم كيف نشارك في صنع هذا المستقبل ، و لا نظل جالسين في مقاعد المتفرجين نصفق وننتقد وننقل ونشتري بلا إضافة حضارية ؟! ، و كيف لنا ونحن نشارك أن نحتفظ بمكارم الأخلاق وقيم الصدق والنزاهة والرحمة والتسامح والعدالة وغيرها من القيم الحميدة و نعلنها ونلتزم بها أثناء بناء ذلك المستقبل ، بلا تعالي علي غيرنا بثروة أو تاريخ أو دين ، وبلا عنف ولا تمييز ولا كراهية ، ولا تكفير ، بل بانفتاح عقل ، ومحبة، واحترام للإختلاف وتعددية للأفكار وبواقع جديد

التعليقات

التعليقات